[ ص: 159 ] قوله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم قال زيد بن أسلم : يعني إذا قمتم من النوم .
قال الزجاج : المعنى : إذا أردتم القيام إلى الصلاة كقوله : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله المعنى : إذا أردت أن تقرأ .
قال ابن الأنباري : وهذا كما تقول : إذا اتجرت فاتجر في البز ، وإذا آخيت فآخ أهل الحسب ، يريد : إذا أردت التجارة ، وإذا أردت مؤاخاة الناس .
وقوله : وأيديكم إلى المرافق هي جمع مرفق ، وهو المكان الذي يرتفق به ، أي : يتكأ عليه من اليد ، وكثير من النحويين يجعلون إلى هاهنا : بمعنى مع ، ويوجبون غسل المرفق ، وهو مذهب أكثر العلماء .
وقوله : وامسحوا برءوسكم المسح : مسحك شيئا بيدك كمسح العرق عن جبينك ، وكمسحك رأسك في وضوئك .
وظاهر الآية : لا يوجب التعميم في مسح الرأس ؛ لأنه إذا مسح البعض فقد حصل ماسحا ، ولا يلتفت إلى قول من قال : إن الباء توجب التعميم ؛ لأن ذلك لا يعرفه أهل النحو .
وقوله : وأرجلكم إلى الكعبين في الأرجل قراءتان : النصب والخفض ، أما النصب فهو ظاهر إلا أنه عطف على المغسول ، لوجوب غسل الرجلين بإجماع لا يقدح فيه قول من خالف .
وأما الكسر فقال أبو حاتم ، وابن الأنباري : الكسر بالعطف على المسح غير أن المراد بالمسح في الأرجل الغسل ، روي ذلك عن ابن زيد أنه قال : المسح خفيف الغسل ، قالوا : تمسحت للصلاة في معنى توضأت .
قال أبو حاتم : وذلك أن المتوضئ لا يرضى بصب الماء على أعضائه حتى يمسحها مع الغسل فسمي الغسل مسحا .
وعلى هذا : الرأس والرجل ممسوحان ، إلا أن المسح في الرجل المراد به الغسل ، يدل على ذلك ذكر التحديد ، [ ص: 160 ] وهو قوله إلى الكعبين والتحديد إنما جاء في المغسول لا في الممسوح .
وقال جماعة من أهل المعاني : الأرجل معطوفة على الرءوس في الظاهر لا في المعنى ، قد ينسق بالشيء على غيره والحكم فيها مختلف ، كما قال :
يا ليت بعلك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا
المعنى : وحاملا رمحا ، وكذلك قول الآخر :علفتها تبنا وماء باردا المعنى : وسقيتها ماء .
فكذلك المعنى في الآية وامسحوا برءوسكم واغسلوا أرجلكم ، فلما لم يذكر الغسل عطف الأرجل على الرءوس في الظاهر .
وكعب الإنسان : ما أشرف من فوق رسغه عند قدمه ، وقال الأصمعي : الكعبان : الناشزان من جانبي القدم .
والأخبار متواترة بوجوب الغسل ، والوعيد لمن ترك من قدمه لمعة لم يصبها الماء .
أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزار ، أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقرئ ، حدثنا علي بن حمدويه ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا الحسن بن محمد بن أعين ، حدثنا معقل بن عبيد الله ، عن أبي [ ص: 161 ] الزبير ، عن جابر ، قال : أخبرني عمر بن الخطاب ، أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه ، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : "ارجع فأحسن وضوءك " ، فرجع فتوضأ ثم صلى رواه مسلم ، عن سلمة بن شبيب .
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر العدل ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الحافظ ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه ، حدثني عبيد بن شريك القطعي ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، عن عبيد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ويل للأعقاب بطون الأقدام من النار " .
أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي ، أخبرنا عمرو بن عبد الله البصري ، حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب ، أخبرنا خالد بن مخلد ، حدثنا محمد بن جعفر ، سمعت زيد بن أسلم ، قال : أخبرني عطاء بن [ ص: 162 ] يسار ، عن عبد الله الصنابحي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : "إذا توضأ المسلم فتمضمض خرجت الخطايا من فيه ، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه ، فإذا غسل وجهه خرجت من وجهه ، فإذا غسل يديه خرجت من يديه حتى تخرج من بين أظافره ، فإذا مسح رأسه خرجت من رأسه حتى تخرج من أذنيه ، فإذا غسل رجليه خرجت من رجليه حتى تخرج من تحت أظفاره ، فإذا عمد إلى الصلاة كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له " .
أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري ، حدثنا محمد بن يعقوب ، حدثنا بحر بن نصر ، قال : قرئ على ابن وهب ، أخبرك مالك بن أنس ، عن سهل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب " رواه مسلم ، عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب .
أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن التاجر ، حدثنا محمد بن عبد بن الحسين القطراني ، حدثنا أبو مليك محمد بن عبد العزيز الكلابي ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت :
[ ص: 163 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحشر أمتي يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فيقال : هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيتمنى الخلائق أنهم كانوا أمة محمد صلى الله عليه وسلم" .
وقوله : وإن كنتم جنبا فاطهروا فأدغمت التاء في الطاء ، لأنهما من مكان واحد .
قال مقاتل : فاغتسلوا .
وباقي الآية مشروح في سورة النساء ، إلى قوله : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج يعني : من ضيق في الدين ، ولكنه جعله واسعا حين رخص في التيمم ، ولكن يريد ليطهركم من الأحداث والجنابات والذنوب والخطيئات ؛ لأن الوضوء يكفر الذنوب .
روى أبو أمامة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الطهور يكفر ما قبله ويصير الصلاة نافلة " .
وقوله : وليتم نعمته عليكم أي : ببيان الشرائع ، وقال محمد بن كعب القرظي : بغفران الذنوب .
أخبرنا سعيد بن محمد العدل ، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه ، حدثنا محمد بن معاذ الماليني ، حدثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا أبو معشر المدني ، حدثني محمد بن كعب ، حدثني عبد الله بن واره ، عن حمران مولى عثمان ، قال : مرت على عثمان فخارة من ماء ، فدعا به فتوضأ فأسبغ وضوءه ، ثم قال : لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا ما حدثتكم به ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " [ ص: 164 ] ما توضأ عبد فأسبغ وضوءه ثم قام إلى الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى" .
وقال محمد بن كعب : وكنت إذا سمعت الحديث من رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسته في القرآن ، فالتمست هذا فوجدته : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ، فعلمت أن الله لم يتم النعمة عليه حتى غفر ذنوبه ، ثم قرأت الآية التي في سورة المائدة : إذا قمتم إلى الصلاة حتى بلغت ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم فعرفت أن الله لم يتم عليهم النعمة حتى غفر لهم .
وقوله : لعلكم تشكرون قال عطاء : لكي تشكروا نعمتي ، وتطيعوا أمري .
قوله عز وجل : واذكروا نعمة الله عليكم قال مقاتل : يعني بالنعمة : الإسلام ، وميثاقه الذي واثقكم به قال مجاهد ، والكلبي ، ومقاتل : هو ما أخذ عليهم حين أخرجهم من ظهر آدم ، وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى .
وقال جماعة من المفسرين : يعني بالميثاق حين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في كل ما أمر ونهى ، والأيمان التي أخذت عليهم يوم بيعة العقبة ، ويوم بيعة الرضوان .
قال السدي : وكل مؤمن آمن بالله ورسله فهذا داخل في هذا الميثاق .
وقوله : إن الله عليم بذات الصدور قال ابن عباس : بخفيات القلوب والضمير والنيات .
[ ص: 165 ]


