الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون  واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون  ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون  

يا أيها الذين آمنوا ، يعني الأنصار، اتقوا الله حق تقاته ، وهو أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، نسختها: فاتقوا الله ما استطعتم ، وذلك أنه كان بين الأوس والخزرج عداوة في الجاهلية في دم شمير ، وحاطب ، فقتل بعضهم بعضا حينا، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أصلح بينهم، فلما كان بعد ذلك، فافتخر منهم رجلان أحدهما ثعلبة بن غنيمة من الأوس، والآخر سعد بن زرارة من بني الخزرج من بني سلمة بن جشم، فجرى الحديث بينهما فغضبا، فقال الخزرجي: أما والله لو تأخر الإسلام عنا وقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا لقتلنا سادتكم، واستعبدنا أبناءكم، ونكحنا نساءكم بغير مهر، فقال الأوسي: قد كان الإسلام متأخرا زمانا طويلا، فهلا فعلتم، فقد ضربناكم بالمرهفات حتى أدخلناكم الديار، وذكرا الأشعار والموتى، وافتخرا وانتسبا، حتى كان بينهما دفع وضرب بالأيدي والسعف والنعال، فغضبا فناديا، فجاءت الأوس إلى الأوس، والخزرج إلى الخزرج بالسلاح، وأسرع بعضهم إلى بعض بالرماح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فركب حمارا وأتاهم، فلما أن عاينهم ناداهم: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يعني معتصمين بالتوحيد.

واعتصموا بحبل الله ، يعني بدين الله، جميعا ولا تفرقوا ، يعني ولا تختلفوا في الدين كما اختلف أهل الكتاب، واذكروا نعمت الله عليكم الإسلام، إذ كنتم أعداء في الجاهلية يقتل بعضكم بعضا، فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ، يعني برحمته إخوانا في الإسلام، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، يقول للمشركين: الميت منكم في النار، والحي منكم على حرف النار، إن مات دخل النار، فأنقذكم منها ، يعني من الشرك إلى الإيمان، كذلك ، يعني هكذا، يبين الله لكم آياته ، يعني علاماته في هذه النعمة، أعداء في الجاهلية، إخوانا في الإسلام، لعلكم ، لكي تهتدون ، فتعرفوا علاماته في هذه النعمة.

[ ص: 185 ] فلما سمع القوم القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم تحاجزوا، ثم عانق بعضهم بعضا، وتناول بخدود بعض بالتقبيل والالتزام، يقول جابر بن عبد الله ، وهو في القوم: لقد اطلع إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحد هو أكره طلعة إلينا منه لما كنا هممنا به، فلما انتهى إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم  ولتكن منكم أمة ، يعني عصبة، يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون .

التالي السابق


الخدمات العلمية