الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور  كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون  لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون  ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون  

ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور ، يعني تصير [ ص: 186 ] أمور العباد إليه في الآخرة، وافتخرت الأنصار، فقالت الأوس: منا خزيمة بن ثابت صاحب الشهادتين، ومنا حنظلة غسيل الملائكة، ومنا عاصم بن ثابت بن الأفلح الذي حمت رأسه الدبر، يعني الزنابير، ومنا سعد بن معاذ الذي اهتز العرش لموته، ورضى الله عز وجل بحكمه، والملائكة في أهل قريظة، وقالت الخزرج: منا أربعة أحكموا القرآن، أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، ومنا سعد بن عبادة صاحب راية الأنصار وخطيبهم الذي ناحت الجن عليه، فقالوا:

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده فرميناه بسهمين فلم تخط فؤاده

قوله سبحانه: كنتم خير أمة أخرجت للناس ، يعني خير الناس للناس، وذلك أن مالك بن الضيف ، ووهب بن يهوذا قالا لعبد الله بن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة: إن ديننا خير مما تدعونا إليه، فأنزل الله عز وجل فيهم: كنتم خير أمة أخرجت للناس في زمانكم كما فضل بني إسرائيل في زمانهم، تأمرون الناس بالمعروف ، يعني بالإيمان، وتنهون عن المنكر وتؤمنون بتوحيد بالله وتنهوهم عن الظلم وأنتم خير الناس للناس، وغيركم من أهل الأديان لا يأمرون أنفسهم ولا غيرهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، ثم قال: ولو آمن ، يعني ولو صدق أهل الكتاب ، يعني اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق، لكان خيرا لهم من الكفر، ثم قال: منهم المؤمنون ، يعني عبد الله بن سلام وأصحابه، وأكثرهم الفاسقون ، يعني العاصين، يعني اليهود.

لن يضروكم إلا أذى ، وذلك أن رؤساء اليهود: كعب بن مالك ، وشعبة ، وبحري ، ونعمان ، وأبا ياسر ، وأبا نافع ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وابن صوريا ، عمدوا إلى مؤمنيهم فآذوهم لإسلامهم، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه، فأنزل الله عز وجل: لن يضروكم اليهود إلا أذى باللسان، وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون .

ثم أخبر عن اليهود، فقال سبحانه: ضربت عليهم الذلة ، يعني المذلة، أين ما ثقفوا ، يعني وجدوا، إلا بحبل من الله وحبل من الناس ، يقول: لا يأمنوا حيث ما توجهوا إلا بعهد من الله، وعهد من الناس، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وحده، وباءوا بغضب من الله ، [ ص: 187 ] يعني استوجبوا الغضب من الله، وضربت عليهم الذلة والمسكنة ، يعني الذل والفقر، ذلك الذي نزل بهم بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك الذي أصابهم بما عصوا وكانوا يعتدون في دينهم بما خبر عنهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية