الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور  حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق  ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب  لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق  

ذلك ومن يعظم حرمات الله يعني أمر المناسك كلها فهو خير له عند ربه في الآخرة وأحلت لكم بهيمة الأنعام التي حرموا للآلهة في سورة الأنعام إلا ما يتلى عليكم من التحريم في أول سورة المائدة فاجتنبوا الرجس من الأوثان فيها تقديم يقول: اتقوا عبادة اللات والعزى ومناة، وهي الأوثان واجتنبوا قول الزور يقول: اتقوا الكذب، وهو الشرك.

حدثنا أبو محمد ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن محمد بن علي ، في قوله تعالى: واجتنبوا قول الزور قال: الكذب وهو الشرك في التلبية، وذلك أن الخمس: قريشا، وخزاعة، وكنانة، وعامر بن صعصعة ، في الجاهلية كانوا يقولون في التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، يعنون الملائكة التي تعبد. هذا هو قول الزور لقولهم: إلا شريكا هو لك.

وكان أهل اليمن في الجاهلية يقولون في التلبية: نحن عرابا عك عك إليك عانية، عبادك اليمانية، كيما نحج الثانية، على القلاص الناحية. وكانت تميم تقول في إحرامها: لبيك ما نهارنا نجره، إدلاجه وبرده وحره، لا يتقي شيئا ولا يضره، حجا لرب مستقيم بره.

وكانت ربيعة تقول: لبيك اللهم حجا حقا، تعبدا ورقا، لم نأتك للمناحة، ولا حبا للرباحة. وكانت قيس عيلان تقول: لبيك لولا أن بكرا دونكا، بنو أغيار وهم يلونكا، ببرك الناس ويفخرونكا، ما زال منا عجيجا يأتونكا.

وكانت جرهم تقول في إحرامها: لبيك إن جرهما عبادك، والناس طرف وهم تلادك، وهم لعمري عمروا بلادك، لا يطاق ربنا يعادك، وهم الأولون على ميعادك، وهم يعادون كل من يعادك، حتى يقيموا الدين في وادك. وكانت قضاعة تقول: لبيك رب الحل والإحرام، ارحم مقام عبد وآم، أتوك يمشون على الأقدام.

وكانت أسد وغطفان تقول في إحرامها بشعر اليمن: لبيك، إليك تعدوا قلقا وضينها، معترضا في بطنها جنينها، مخالفا دين النصارى دينها، وكانت النساء تطفن بالليل عراة، وقال بعضهم: لا بل نهارا تأخذ إحداهن حاشية برد تستر به، وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله، وما بدا منه فلا أحله، كم من لبيب عقله يضله، وناظر ينظر فما يمله [ ص: 383 ] ضخم من الجثم عظيم ظله.

وكانت تلبية آدم، عليه السلام:  لبيك الله لبيك عبد خلقته بيديك، كرمت فأعطيت، قربت فأدنيت، تباركت وتعاليت، أنت رب البيت.

فأنزل الله عز وجل: واجتنبوا قول الزور يعني الكذب، وهو الشرك في الإحرام، حنفاء لله يعني مخلصين لله بالتوحيد غير مشركين به ثم عظم الشرك، فقال: ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير يعني فتذهب به الطير النسور أو تهوي به الريح في مكان سحيق يعني بعيدا، فهذا مثل الشرك في البعد من الله، عز وجل.

ذلك يقول: هذا الذي أمر اجتناب الأوثان ومن يعظم شعائر الله يعني البدن من أعظمها وأسمنها فإنها من تقوى القلوب يعني من إخلاص القلوب لكم فيها في البدن منافع في ظهورها وألبانها إلى أجل مسمى يقول: إلى أن تقلد، أو تشعر، أو تسمى هديا، فهذا الأجل المسمى، فإذا فعل ذلك بها لا يحمل عليها إلا مضطرا ويركبها بالمعروف، ويشرب فضل ولدها من اللبن، ولا يجهد الحلب حتى لا ينهك أجسامها.

ثم محلها إلى البيت العتيق يعني منحرها إلى أرض الحرم كله كقوله سبحانه: فلا يقربوا المسجد الحرام يعني أرض الحرم كله، ثم ينحر ويأكل ويطعم، إن شاء نحر الإبل، وإن شاء ذبح الغنم، أو البقر، ثم تصدق به كله، وإن شاء أكل وأمسك منه، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون شيئا من البدن، فأنزل الله، عز وجل، فكلوا منها وأطعموا، فليس الأكل بواجب، ولكنه رخصة، كقوله سبحانه وإذا حللتم فاصطادوا وليس الصيد بواجب ولكنه رخصة.

التالي السابق


الخدمات العلمية