وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي بني إسرائيل ليلا إنكم متبعون يعني يتبعكم فرعون وقومه، فأمر جبريل، عليه السلام، كل أهل أربعة أبيات من بني إسرائيل في بيت، ويعلم تلك الأبواب بدم الخراف، فإن الله عز وجل يبعث الملائكة إلى أهل مصر ، فمن لم يروا على بابه دما دخلوا بيته فقتلوا أبكارهم، من أنفسهم وأنعامهم، فيشغلهم دفنهم إذا أصبحوا عن طلب موسى ، ففعلوا واستعاروا حلي أهل مصر ، فساروا من ليلتهم قبل البحر، هارون على المقدمة، وموسى على الساقة، فأصبح فرعون من الغد، يوم الأحد، وقد قتلت الملائكة أبكارهم، فاشتغلوا بدفنهم، ثم جمع الجموع فساروا يوم الاثنين في طلب موسى، عليه السلام، وأصحابه، وهامان على مقدمة فرعون في ألفي ألف وخمس مائة، ويقال: ألف ألف مقاتل.
فذلك قوله عز وجل: فأرسل فرعون في المدائن حاشرين يحشرون الناس [ ص: 452 ] في طلب موسى ، عليه السلام، وهارون، عليه السلام، وبني إسرائيل، ثم قال فرعون: إن هؤلاء يعني بني إسرائيل لشرذمة يعني عصابة قليلون وهم ست مائة وإنهم لنا لغائظون لقتلهم أبكارنا، ثم هربوا منا وإنا لجميع حاذرون علينا السلاح.
يقول الله تعالى: فأخرجناهم من مصر من جنات يعني البساتين وعيون يعني أنهار جارية وكنوز يعني الأموال الظاهرة من الذهب والفضة، وإنما سمي كنزا، لأنه لم يعط حق الله عز وجل منه، وكل ما لم يعط حق الله تعالى منه، فهو كنز، وإن كان ظاهرا.
قال سبحانه: ومقام كريم يعني المساكن الحسان كذلك هكذا فعلنا بهم في الخروج من مصر ، وما كانوا فيه من الخير.
ثم قال سبحانه: وأورثناها بني إسرائيل ، وذلك فرعون وقومه إلى مصر، أن الله عز وجل رد بني إسرائيل بعدما أغرق فأتبعوهم يقول: فاتبعهم فرعون وقومه مشرقين يعني ضحى فلما تراءى الجمعان يعني جمع موسى ، عليه السلام، وجمع فرعون ، فعاين بعضهم بعضا، قال أصحاب موسى إنا لمدركون هذا فرعون وقومه لحقونا من ورائنا، وهذا البحر أمامنا قد غشينا، ولا منقذ لنا منه.
قال موسى ، عليه السلام: كلا لا يدركوننا إن معي ربي سيهدين الطريق، وذلك أن جبريل، عليه السلام، حين أتاه فأمره بالمسير من مصر ، قال: موعد ما بيننا وبينك البحر، فعلم موسى ، عليه السلام، أن الله عز وجل سيجعل له مخرجا، وذلك يوم الاثنين العاشر من المحرم.
فلما صار موسى إلى البحر أوحى الله عز وجل إليه، فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فجاءه جبريل، عليه السلام، فقال: اضرب بعصاك البحر، فضربه بعصاه في أربع ساعات من النهار، فانفلق البحر فانشق الماء اثني عشر طريقا يابسا، كل طريق طوله فرسخان وعرضه فرسخان، وقام الماء عن يمين الماء، وعن يساره، كالجبل العظيم، فذلك قوله عز وجل: فكان كل فرق كالطود العظيم يعني [ ص: 453 ] كالجبلين المقابلين كل واحد منهما على الآخر، وفيهما كوى من طريق إلى طريق لينظر بعضهم إلى بعض إذا ساروا فيه ليكون آنس لهم إذا نظر بعضهم إلى بعض، فسلك كل سبط من بني إسرائيل في طريق لا يخالطهم أحد من غيرهم، وكانوا اثني عشر سبطا، فساروا في اثني عشر طريقا فقطعوا البحر، وهو نهر النيل بين أيلة، ومصر ، نصف النهار في ست ساعات من النهار يوم الاثنين، وهو يوم العاشر من المحرم، موسى، عليه السلام، يوم العاشر شكرا لله عز وجل حين أنجاه الله عز وجل، وأغرق عدوه فرعون، فمن ثم تصومه اليهود، وسار فصام فرعون وقومه في تمام ثماني ساعات، فلما توسطوا البحر تفرقت الطرق عليهم، فأغرقهم الله عز وجل أجمعين.
فذلك قوله تعالى: وأزلفنا ثم الآخرين يعني هناك الآخرين، قربنا فرعون وجنوده في مسالك بني إسرائيل وأنجينا موسى ومن معه أجمعين من الغرق فلم يبقى أحد إلا نجا ثم أغرقنا الآخرين يعني فرعون وقومه في تمام تسع ساعات من النهار، ثم أوحى الله عز وجل إلى البحر، فألقى فرعون على الساحل في ساعة، فتلك عشر ساعات، وبقي من النهار ساعتان.
إن في ذلك لآية يقول: في هلاك فرعون وقومه لعبرة لمن بعدهم، وما كان أكثرهم مؤمنين يقول: لم يكن أكثر أهل مصر مصدقين بتوحيد الله عز وجل، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا، ولم يؤمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون ، وحزقيل المؤمن من آل فرعون ، وفية الماشطة، ومريم ابنة ناموثية التي دلت على عظام يوسف.
وإن ربك لهو العزيز في نقمته من أعدائه حين انتقم منهم الرحيم بالمؤمنين حين أنجاهم من العذاب، وكان موسى بمصر ثلاثين سنة، فلما قتل النفس خرج إلى مدين هاربا على رجليه في الصيف بغير زاد، وكان راعيا عشر سنين، ثم بعثه الله رسولا وهو ابن أربعين سنة، ثم دعا قومه ثلاثين سنة، ثم قطع البحر، فعاش خمسين سنة، فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة صلى الله عليه وسلم، وكان دعا فرعون وقومه عشر سنين، فلما أبوا أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل، وإلى آخر الآية، ثم لبث فيهم أيضا عشرين سنة كل ذلك ثلاثين سنة، فلم يؤمنوا فأغرقهم الله أجمعين، فعاش، موسى عليه [ ص: 454 ] السلام، عشرين ومائة سنة.