من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون
[ ص: 508 ] من جاء بالحسنة يعني بكلمة الإخلاص، وهي لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، فله خير منها في التقديم، يقول: فله منها خير، ومن جاء بالسيئة يعني الشرك يقول: من جاء في الآخرة بالشرك، فلا يجزى الذين عملوا السيئات يعني الذين عملوا الشرك إلا ما كانوا يعملون من الشرك، فإن جزاء الشرك النار، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار.
حدثنا محمد ، قال: حدثنا أبو القاسم ، قال: حدثنا الهذيل ، عن ، مقاتل عن ، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الآية: علقمة بن مرثد من جاء بالحسنة ومن جاء بالسيئة فقال: "هذه تنجي، وهذه تردي ".
وقال إنه بلغه مقاتل: عن ، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كعب بن عجرة من جاء بالحسنة فهي لا إله إلا الله، ومن جاء بالسيئة فهي الشرك، فهذه تنجي، وهذه تردي، قوله عز وجل: إن الذي فرض عليك القرآن وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغار ليلا، ثم هاجر من وجهه ذلك إلى المدينة ، فسار في غير الطريق مخافة الطلب، فلما أمن رجع إلى الطريق، فنزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة ، فاشتاق إليها، وذكر مولده ومولد أبيه، فأتاه جبريل، عليه السلام، فقال: "أتشتاق إلى بلدك ومولدك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال: جبريل: إن الله عز وجل يقول: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ، يعني إلى مكة ظاهرا عليهم، فنزلت هذه الآية بالجحفة ليست بمكية، ولا مدنية. قل ربي أعلم من جاء بالهدى وذلك أن كفار مكة كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنك في ضلال، فأنزل الله تبارك وتعالى في قولهم قل ربي أعلم من جاء بالهدى فأنا الذي جئت بالهدى من عند الله عز وجل، "و" هو أعلم ومن هو في ضلال مبين يقول: أنحن أم أنتم.
وما كنت ترجو يا محمد أن يلقى إليك الكتاب يعني أن ينزل عليك القرآن يذكره النعم، وقال: ما كان الكتاب إلا رحمة يعني عز وجل نعمة من ربك اختصصت بها يا محمد ، وذلك حين دعي إلى دين آبائه، فأوحى الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: فلا تكونن ظهيرا يعني معينا للكافرين على دينهم.
ولا يصدنك كفار مكة عن آيات الله يعني عن إيمان بالقرآن بعد إذ أنزلت إليك وادع الناس إلى معرفة ربك عز وجل، وهو التوحيد، ثم أوعز إلى [ ص: 509 ] النبي صلى الله عليه وسلم وحذره، فقال سبحانه: ولا تكونن من المشركين وذلك حين دعي إلى دين آبائه.
فحذره الله عز وجل أن يتبع دينهم، فقال سبحانه: ولا تدع يقول: ولا تعبد مع الله تعالى إلها آخر فإنه واحد ليس معه شريك، ثم وحد نفسه جل جلاله، فقال: لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه يقول سبحانه: كل شيء من الحيوان ميت، ثم فقال جل جلاله: استثنى نفسه جل جلاله بأنه تعالى حي دائم لا يموت، إلا وجهه يعني إلا هو له الحكم يعني القضاء وإليه ترجعون أحياء في الآخرة، فيجزيكم عز وجل بأعمالكم.
[ ص: 510 ]