سورة الأحزاب
مدنية ، عدد آياتها ثلاث وسبعون آية كوفية
يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما
يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين وذلك أن عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعيد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، وهم المنافقون كتبوا مع غلام لطعمة إلى مشركي مكة من قريش إلى ، أبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور رأس الأحزاب أن اقدموا علينا فسنكون لكم أعوانا فيما تريدون ، وإن شئتم مكرنا بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يتبع دينكم الذي أنتم عليه ، فكتبوا إليهم : إنا لن نأتيكم حتى تأخذوا العهد والميثاق من محمد ، فإنا نخشى أن يغدر بنا ، ثم نأتيكم فنقول وتقولون ، لعله يتبع ديننا ، فلما جاءهم الكتاب ، انطلق هؤلاء المنافقون حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أتيناك في أمر ، أبي سفيان بن حرب وأبي الأعور ، ، أن تعطيهم العهد والميثاق على دمائهم وأموالهم ، فيأتون وتكلمهم لعل إلهك يهد قلوبهم ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، وكان حريصا على أن يؤمنوا أعطاهم الأمان من نفسه ، فكتب المنافقون إلى الكافرين ، من وعكرمة بن أبي جهل قريش أنا قد استمكنا من محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد أعطانا وإياكم الذي تريدون ، فأقبلوا على اسم اللات والعزى لعلنا نزيله إلى ما نهواه ، ففرحوا بذلك.
ثم ركب كل رجل منهم راحلة حتى أتوا المدينة ، فلما دخلوا على عبد الله بن أبي ، [ ص: 33 ] أنزلهم وأكرمهم ورحب بهم ، وقال : أنا عند الذي يسركم محمد أذن ، ولو قد سمع كلامنا وكلامكم لعله لا يعصينا فيما نأمره ، فأبشروا واستعينوا آلهتكم عليه ، فإنها نعم العون لنا ولكم ، فلما رأوا ذلك منه قالوا : أرسل إلى إخواننا ، فأرسل عبد الله بن أبي إلى طعمة ، وسعد أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا ، فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم ، ولزم بعضهم بعضا من الفرح وهم قيام ، ثم جلسوا يرون أن يستنزلوا محمدا صلى الله عليه وسلم عن دينه.
فقال عبد الله بن أبي : أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدو ذلك ولا أزيد ، أقول : إنا معشر الأنصار لم نزل وإلهنا محمود بخير ، ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد ، ونحن كل يوم منه في مزيد ، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد كل خير ، ولكن لو شاء محمد قبل أمرا كان يكون ما عاش لنا وله ذكر في الأولين الذين مضوا ، ويذهب ذكره في الآخرين على أن يقول : إن اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة ، ولهما ذكر ومنفعة على طاعتهما ، هذا قولي له.
قال نخشى علينا وعليكم الغدر والقتل ، فإن أبو سفيان : محمدا زعموا أنه لن يبقي بها أحدا منا في شدة بغضه إيانا ، وإنا نخشى أن يكون يضمر لنا في نفسه ما كان لقي أصحابه يوم أحد. قال عبد الله بن أبي : إنه إذا أعطى الأمان فإنه لن يغدر ، هو أكرم من ذلك ، وأوفى بالعهد منا ، فلما أصبحوا أتوه فسلموا عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "مرحبا اللهم اهد قلبه" ، فقال بأبي سفيان اللهم يسر الذي هو خير ، فجلسوا فتكلموا أبو سفيان : وعبد الله بن أبي ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ارفض ذكر اللات والعزى ومناة ، حجر يعبد بأرض هذيل ، وقل : إن لهما شفاعة ومنفعة في الآخرة لمن عبدهما ، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وشق عليه قولهم ، فقال ، رضوان الله عليه : ائذن لي يا رسول الله في قتلهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إني قد أعطيتهم العهد والميثاق" ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لو شعرت أنكم تأتون لهذا من الحديث لما أعطيتهم الأمان". عمر بن الخطاب
فقال ما بأس بهذا أن قوما استأنسوا إليك يا أبو سفيان : محمد ورجوا منك أمرا ، فأما إذا قطعت رجاءهم ، فإنه لا ينبغي أن تؤذيهم ، وعليك باللين والتؤدة لإخوانك وأصحابك ، فإن هذا من قوم أكرموك ونصروك وأعانوك ، ولولاهم لكنت مطلوبا مقتولا ، وكنت في الأرض خائفا لا يقبلك أحد ، فزجرهم ، رضي الله عنه ، فقال : اخرجوا في لعنة الله وغضبه فعليكم رجس الله وغضبه وعذابه ما أكثر شركم ، [ ص: 34 ] وأقل خيركم وأبعدكم من الخير ، وأقربكم من الشر ، فخرجوا من عنده ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجهم من عمر بن الخطاب المدينة ، فقال بعضهم لبعض : لا نخرج حتى يعطينا العهد إلى أن نرجع إلى بلادنا ، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فنزلت فيهم يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين يعني تبارك وتعالى ، أبا سفيان وعكرمة ، وأبا الأعور ، اسمه عمرو بن سفيان ، ثم قال : والمنافقين يعني عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، إن الله كان عليما حكيما . فلما خرجوا من عنده قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لهؤلاء ؟ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين واتبع ما يوحى إليك من ربك يعني ما في القرآن إن الله كان بما تعملون خبيرا . وتوكل على الله وثق بالله فيما تسمع من الأذى وكفى بالله وكيلا ناصرا ووليا ومانعا ، فلا أحد أمنع من الله تعالى ، وإنما نزلت فيها يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة ، يعني هؤلاء النفر الستة المسمين ، ودع أذاهم إياك لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم : قل للآلهة شفاعة ومنفعة لمن عبدها وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا يعني مانعا فلا أحد أمنع من الله عز وجل ، ثم قال : ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه نزلت في أبي معمر بن أنس الفهري ، كان رجلا حافظا لما سمع ، وأهدى الناس بالطريق وكان لبيبا ، فقالت قريش : ما أحفظ ، إلا أنه ذو قلبين ، فكان جميل يقول : إن في جوفي قلبين أحدهما أعقل من أبا معمر محمد ، فلما كان يوم بدر انهزم وأخذ نعله في يده ، فقال له سليمان بن الحارث : أين تذهب يا جميل ؟ تزعم أن لك قلبين أحدهما أعقل من محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم قال : وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم يعني أوس بن الصامت بن قيس الأنصاري من بني عوف بن الخزرج وامرأته من خولة بنت قيس بن ثعلبة بن مالك بن أصرم بن حرامة بني عمرو بن عوف بن الخزرج.
ثم قال : وما جعل أدعياءكم أبناءكم يعني النبي صلى الله عليه وسلم تبنى اتخذه ولدا ، فقال الناس : زيد بن حارثة ، فضرب الله تعالى لذلك مثلا ، فقال : زيد بن محمد ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أدعياءكم فكما لا يكون للرجل الواحد قلبان ، كذلك لا [ ص: 35 ] يكون دعي الرجل ابنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة بن قرة بن شرحبيل الكلبي ، من بني عبد ود ، كان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه في الجاهلية وآخى بينه وبين ، رضي الله عنهما ، في الإسلام ، فجعل الفقير أخا الغني ليعود عليه ، فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب وكانت تحت زينب بنت جحش ، ، قالت اليهود والمنافقون : تزوج زيد بن حارثة محمد امرأة ابنه ، وهو ينهانا عن ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فذلك قوله سبحانه : وما جعل أدعياءكم يعني دعي النبي صلى الله عليه وسلم حين ادعى زيدا ولدا ، فقال : هو ابني أبناءكم يقول : لم يجعل أدعياءكم أبناءكم.
ثم قال : ذلكم الذي قلتم محمد هو زيد بن قولكم بأفواهكم يقول : إنكم قلتموه بألسنتكم والله يقول الحق فيما قال من أمر زيد بن حارثة وهو يهدي السبيل يعني وهو يدل إلى طريق الحق ، ثم أخبر كيف يقولون في أمر زيد بن حارثة.
فقال : ادعوهم لآبائهم يقول : قولوا ولا تنسبوه إلى غير أبيه زيد بن حارثة هو أقسط يعني أعدل عند الله فلما نزلت هذه الآية دعاه المسلمون إلى أبيه ، فقال : زيد أنا ابن حارثة معروف نسبي ، فقال الله تعالى : فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم يقول : فإن لم تعلموا لزيد أبا تنسبوه إليه ، فهو أخوكم في الدين ومولاكم ، يقول : فلان مولى فلان وليس عليكم جناح يعني حرج فيما أخطأتم به قبل النهي ونسبوه إلى غير أبيه ولكن الجناح في ما تعمدت قلوبكم بعد النهي وكان الله غفورا رحيما غفورا لما كان من قولهم من قبل أن محمد صلى الله عليه وسلم ، رحيما فيما بقي ، فقال رجل من المسلمين في ذلك. زيد بن