قيل: كلا الخبرين صحيح، وليس في أحدهما إبطال معنى ما في الآخر، وذلك أن قبول النبي صلى الله عليه وسلم ما قبل من هدية من قبل هديته من المشركين، إنما كان نظرا منه بفعله ذلك لأصحابه، وعودا منه بنفعه عليهم وعلى المؤمنين به، لا احتجانا منه لذلك دونهم، ولا إيثارا منه نفسه به عليهم.
وللإمام فعل ذلك، وقبول هدية كل مهد إليه من ملوك أهل الشرك وغيرهم، إذا كان قبوله [ ص: 211 ] ما يقبل منهم من ذلك نفعا للمسلمين، ونظرا منه لهم.
وأما رده صلى الله عليه وسلم ما رد من هدية من رد هديته منهم، فإنما كان ذلك منه من أجل أنه كان أهداها له في خاصة نفسه، فلم ير قبوله ذلك منه، تعريفا منه لأئمة أمته من بعده، أنه ليس لهم قبول هدية مهد من رعيته لخاصة نفسه.
فإن ظن ظان أن الذي قلنا في ذلك بخلاف الذي قلنا، إذ كان قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نقبل هدية مشرك" ، وقوله: "هدايا الإمام غلول" ، قولا عاما مخرجه، لا دليل فيه على خصوصه، فقد ظن خطأ.
وذلك أنه لا خلاف بين الجميع في أن الله تعالى ذكره قد أباح للمؤمنين أموال أهل الشرك من أهل الحرب لهم بالقهر والغلبة بقوله: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله ، فهو بطيب أنفسهم، لا شك أنه أحل وأطيب، إذ كان كل مال كان حلالا لآخذه أخذه بالقهر لصاحبه، والغلبة له عليه، فأخذه منه بطيب نفسه لا شك أنه أطيب وأحل.