الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              قالوا: ومن صام حتى بلغ به الصوم هذا الحد؛ فلا شك أنه بصوم ذلك آثم.

              والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن صوم الأبد  غير جائز، وإن من صامه فقد دخل فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وتحمل بفعله ذلك من الإثم عظيما.

              وذلك إذا صام الدهر كله، فلم يفطر الأيام المنهي عن صومهن.

              وإن أطاق المرء صوم الدهر، ولم تكن له زوجة، ولم ينهك صومه ذلك بدنه، ولا أضر به، ولم يضعفه عن شيء من فرائض الله عز وجل، لا عن النوافل المؤكدة، فصام ذلك، وأفطر الأيام المنهي عن صومهن، فقد دخل في ما كره له رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله؛ وذلك لصحة الأخبار عنه بقوله عليه السلام: "أحب الأعمال إلى الله ما ديم عليه وإن قل"  ، وقوله عليه السلام لأمته: "اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"  ، وأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملا داوم عليه، وقوله لرجل من أصحابه: "يا فلان، لا تكن كفلان، كان يقوم الليل [ ص: 320 ] فترك قيام الليل" ، وقوله لعبد الله ، إذ أذن له في صوم يوم وإفطار آخر، فقال له: إني أجدني أقوى: "إنك لعلك أن يطول بك العمر فتضعف" .

              فإذا كان غير مأمون على المرء أن يبلغ من السن ما يضعف عن المداومة على ما ألزم نفسه من صوم الأبد معها، وإن أفطر الأيام المنهي عن صومهن، فالصواب له أن يكلف منه ما إن ضعف بدنه أطاق عمله.

              ولست -وإن كرهت له ذلك؛ لكراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه له -بمؤثمه في فعله، وملحقه في ركوبه ما ركب من ذلك، بحكم الذي صام الدهر كله، فلم يفطر الأيام المنهي عن صومهن؛ لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:-

              التالي السابق


              الخدمات العلمية