2868 - حدثنا نا أحمد، نا الحارث بن أبي أسامة، نا معاوية بن عمرو، أبو بكر العجلي، نا أبو عقيل الدورقي، عن قال: كان رجل من ملوك بني إسرائيل قد أعطي طول عمر وكثرة مال [ ص: 24 ] وكثرة أولاد؛ فكان أولاده إذا كبر أحدهم لبس ثياب الشعر ولحق بالجبال وأكل من الشجر وساح في الأرض حتى يأتيه الموت، ففعل ذلك جماعتهم رجل فرجل حتى تتابع بنوه على ذلك، وأصاب ولدا بعد كبر، فدعا قومه، فقال: إني قد أصبت ولدا بعد ما كبرت، وترون شفقتي عليكم، وإني أخاف أن هذا يتبع سنة إخوته، وأنا أخاف عليكم إن لم يكن عليكم أحد من ولدي بعدي أن تهلكوا، فخذوه الآن في صغره، فحببوا إليه الدنيا، فعسى أن يبقى بعدي عليكم، فبنوا له حائطا فرسخا في فرسخ؛ فكان فيه دهرا من دهره، ثم ركب يوما؛ فإذا عليه حائط مصمت، فقال: إني أحسب خلف هذا الحائط ناسا وعالما، أخرجوني أزدد علما وألقى الناس، فقيل ذلك لأبيه، ففزع وخشي أن يتبع سنة إخوته. فقال: اجمعوا عليه كل لهو ولعب. ففعلوا ذلك به، ثم ركب في السنة الثانية، فقال: لا بد من الخروج. فأخبر بذلك الشيخ، فقال: أخرجوه، فجعل على عجلة وكلل بالزبرجد والذهب، وصار حوله حافتان من الناس، فبينا هو يسير؛ إذا هو برجل مبتلى، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل مبتلى. فقال: أيصيب ناسا دون ناس، أو كل خائف له؟ قالوا: كل خائف له. قال: وأنا فيما أنا فيه من السلطان؟ قالوا: نعم. قال: أف لعيشكم، هذا كدر. فرجع مغموما محزونا. فقيل لأبيه، فقال: انشروا عليه من كل لهو وباطل حتى تنزعوا من قلبه هذا الحزن والغم. فلبث حولا، ثم قال: أخرجوني. فأخرج على مثل حاله الأول، فبينما هو يسير؛ إذا هو برجل هرم قد أصابه الهرم ولعابه يسيل من فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا رجل هرم. قال: [ ص: 25 ] يصيب ناسا دون ناس، أو كل خائف له إن هو عمر؟ قالوا: كل خائف له. قال: أف لعيشكم، هذا عيش لا يصفو لأحد. فأخبر بذلك أبوه، فقال: احشروا عليه كل لهو وباطل. فحشروا عليه، فمكث حولا ثم ركب على مثل حاله، فبينما هو يسير؛ إذا هو بسرير تحمله الرجال على عواتقها، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل مات. قال لهم: وما الموت؟ ائتوني به. فأتوه به، فقال: أجلسوه. قالوا: إنه لا يجلس. قال: كلموه. قالوا: إنه لا يتكلم. قال: فأين تذهبون به؟ قالوا: ندفنه تحت الثرى. قال: فيكون ماذا بعد هذا؟ قالوا: الحشر. قال لهم: وما الحشر؟ قالوا: يوم يقوم الناس في ذلك اليوم لرب العالمين، فيجزي كل واحد على قدر حسناته وسيئاته. قال: ولكم دار غير هذا تجازون فيها؟ قالوا: نعم. فرمى بنفسه من الفرس وجعل يعفر وجهه في التراب، وقال لهم: من هذا كنت أخشى، كاد هذا أن يأتي علي ولا أعلم به، أما ورب من يعطي ويحشر ويجازي؛ إن هذا آخر الدهر بيني وبينكم؛ فلا سبيل لكم علي بعد هذا اليوم. فقالوا: لا ندعك حتى نردك إلى أبيك. فردوه إلى أبيه وكاد ينزف دمه. فقال له: يا بني! ما هذا الجزع؟ قال؛ جزعي ليوم يعطى فيه الصغير والكبير مجازاتهما ما عملا من الخير والشر. فدعا بثياب شعر، فلبسها وقال: إني عازم من الليل أن أخرج. فلما كان في نصف الليل أو قريبا منه خرج، فلما أن خرج من باب القصر؛ قال: اللهم إني أسألك أمرا ليس إلي منه قليل ولا كثير، وقد سبقت به المقادير، إلهي لوددت أن الماء كان في الماء، وأن الطين كان في الطين، ولم أنظر بعيني إلى الدنيا نظرة واحدة. [ ص: 26 ] قال بكر بن عبد الله المزني؛ بكر بن عبد الله: فهذا رجل خرج من ذنب لا يعلم ماذا عليه فيه؛ فكيف بمن يذنب وهو يعلم بما عليه فيه ولا يتحرج ولا يجزع ولا يتوب؟ !