الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
296 - حدثنا محمد بن عبد الله الرزاز؛ قال: سمعت ذا النون المصري يقول: [ ص: 170 ] إن لله عبادا نصبوا أشجار الخطايا نصب رواتق القلوب، وسقوها بماء التوبة، فأثمرت ندما وأحزانا؛ فجنوا من غير جنون، وتبلدوا من غير عي ولا بكم، وإنهم لهم الفصحاء البلغاء الرزناء العارفون بالله وبرسوله وبأمر الله، ثم شربوا بكأس الصفا؛ فورثوا الصبر على طول البلاء؛  حتى تولهت قلوبهم في الملكوت، وجالت بين سرايا حجب الجبروت، فاستظلوا تحت رواق الندم، فقرؤوا صحيفة الخطايا؛ فأورثوا أنفسهم الجزع حتى وصلوا علو علو الزهد بسلم الورع؛ فاستعذبوا مرارة الترك للدنيا، واستلانوا خشونة المضجع حتى ظفروا بحبل النجاة وعروة السلامة، وسرحت أرواحهم في العلا، وجعلت قلوبهم في خفي خفيات الهوى؛ حتى أناخوا في رياض النعيم، وجنوا من ثمار التسنيم، وخاضوا في بحر الحياة، وأردموا خنادق الجزع، وعبروا جسور الهوى حتى أناخوا بفناء العلم، فاستقوا من غدير الحكمة، وركبوا سفينة الفطنة؛ فأقلعوا بريح النجاة في بحر السلامة، حتى وصلوا إلى رياض الراحة ومعدن العز والكرامة.

[ ص: 171 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية