الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الخصلة السابعة وهي قوله إمام في الورع فصدق في قوله وبرع فمن بعض ورعه: قال أبو عبد الله السمسار كانت لأم عبد الله بن أحمد دار معنا في الدرب يأخذ منها أحمد درهما بحق ميراثه فاحتاجت إلى نفقة لتصلحها فأصلحها ابنه عبد الله فترك أبو عبد الله أحمد الدرهم الذي كان يأخذه وقال قد أفسده علي.

قلت: إنما تورع من أخذ حقه من الأجرة خشية أن يكون ابنه أنفق على الدار مما يصل إليه من مال الخليفة.

ونهى ولديه وعمه عن أخذ العطاء من مال الخليفة فاعتذروا بالحاجة فهجرهم شهرا لأخذ العطاء ووصف له دهن اللوز في مرضه قال حنبل فلما جئناه به قال ما هذا قلنا دهن اللوز فأبى أن يذوقه وقال الشيرج فلما ثقل واشتدت علته جئناه بدهن اللوز فلما تبين أنه دهن اللوز كرهه ودفعه فتركناه ولم نعد له ووصف له في علته قرعة تشوى ويؤخذ ماؤها فلما جاءوا بالقرعة [ ص: 11 ] قال بعض من حضر: اجعلوها في تنور صالح فإنهم قد خبزوا فقال بيده لا وأبى أن يوجه بها إلى منزل صالح قال حنبل ومثل هذا كثير.

قال حنبل وأخبرني أبي يعني إسحاق عم أحمد قال لما وصلنا العسكر أنزلنا السلطان دارا لإيتاخ ولم يعلم أبو عبد الله فسأل بعد ذلك لمن هذه الدار فقالوا هذه دار لإيتاخ فقال حولوني واكتروا لي دارا قالوا هذه دار أنزلكها أمير المؤمنين فقال لا أبيت ها هنا فاكترينا له دارا غيرها وتحول عنها وكانت تأتينا في كل يوم مائدة أمر بها المتوكل فيها ألوان الطعام والفاكهة والثلج وغير ذلك فما نظر إليها أبو عبد الله ولا ذاق منها شيئا وكانت نفقة المائدة في كل يوم مائة وعشرين درهما فما نظر إليها أبو عبد الله ودامت العلة بأبي عبد الله وضعف ضعفا شديدا وكان يواصل فمكث ثمانية أيام مواصلا لا يأكل ولا يشرب فلما كان في اليوم الثامن كاد أن يطفأ فقلت: يا أبا عبد الله ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام وهذا لك اليوم ثمانية أيام فقال إني مطيق قلت: بحقي عليك فقال إن حلفتني بحقك فإني أفعل فأتيته بسويق فشرب.

وأجرى المتوكل على ولده وأهله أربعة آلاف درهم في كل شهر فبعث إليه أبو عبد الله إنهم في كفاية فبعث إليه المتوكل إنما هذا لولدك مالك ولهذا فقال له أحمد يا عم ما بقي من أعمارنا؟ كأنك بالأمر قد نزل فالله الله فإن أولادنا إنما يريدون يتأكلون بنا وإنما هي أيام قلائل لو كشف للعبد عما قد حجب عنه لعرف ما هو عليه من خير أو شر صبر قليل وثواب طويل إنما هذه فتنة فلما طالت علة أحمد كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب فيصف له الأدوية فلا يتعالج فدخل ابن ماسويه على المتوكل فقال [ ص: 12 ] له المتوكل ويحك ابن حنبل ما نجح فيه الدواء؟ فقال له يا أمير المؤمنين إن أحمد بن حنبل ليست به علة في بدنه إنما هذا من قلة الطعام وكثرة الصيام والعبادة فسكت المتوكل.

ولما توفي أحمد وجه ابن طاهر الأكفان فردت عليه وقال عم أحمد للرسول قل له أحمد لم يدع غلامي يروحه يعني خشية أن أكون اشتريته من مال السلطان فكيف نكفنه بمالك.

وقال ابن المنادي امتنع أحمد من التحديث قبل أن يموت بثمان سنين أو أقل أو أكثر وذلك أن المتوكل وجه يقرأ عليه السلام ويسأله أن يجعل المعتز في حجره ويعلمه العلم فقال للرسول اقرأ على أمير المؤمنين السلام وأعلمه أن علي يمينا أني لا أتم حديثا حتى أموت وقد كان أعفاني مما أكره وهذا مما أكره.

وقال المروزي سمعت أحمد يقول الخوف قد منعني أكل الطعام والشراب فما أشتهيه.  

وكان أحمد يزرع داره التي يسكنها ويخرج عنها الخراج الذي وظفه عمر رضي الله عنه على السواد.

وكان أحمد إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه فقيل له في ذلك فقال لا أقدر أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه.

وقال إسحاق عم أحمد: دخلت على أحمد ويده تحت خده فقلت: له يا ابن أخي أي شيء هذا الحزن؟ فرفع رأسه وقال طوبى لمن أخمل الله ذكره.

وقال إسماعيل بن حرب أحصي ما رد أحمد بن حنبل حين جيء به إلى العسكر فإذا هو سبعون ألفا.

وقال صالح بن أحمد كان أبي لا يدع أحدا يستقي له الماء لوضوئه.

التالي السابق


الخدمات العلمية