1031 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا جعفر بن محمد ، قال : قال الجنيد في معنى قوله : " يكره الموت وأكره مساءته " . يريد : لما يلقى من عيان الموت وصعوبته وكربه ، ليس أني أكره له الموت ، لأن الموت يورده إلى رحمته ومغفرته " . وقال أبو سليمان رحمه الله : قوله : " وكنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها " وهذه أمثال ضربها ، والمعنى والله أعلم ؛ توفيقه في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها فيحفظ جوارحه عليه ، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من إصغاء إلى اللهو بسمعه ، ونظر إلى ما نهى عنه من اللهو ببصره ، وبطش إلى ما لا يحل له بيده ، وسعي في الباطل برجله . وقد يكون معناه سرعة إجابة الدعاء ، والإنجاح في الطلبة ، وذلك أن مساعي الإنسان إنما تكون بهذه الجوارح الأربع ، وقوله : ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، فإنه أيضا مثل ، والتردد في صفة الله عز وجل غير جائز ، والبداء عليه في الأمور غير سائغ ، وتأويله على وجهين أحدهما : أن العبد قد يشرف في أيام عمره على [ ص: 449 ] المهالك مرات ذات عدد من داء يصيبه ، وآفة تنزل به ، فيدعو الله عز وجل فيشفيه منها ، ويدفع مكروهها عنه ، فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرا ثم يبدو له في ذلك فيتركه ويعرض عنه ، ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله ، فإنه قد كتب الفناء على خلقه ، واستأثر البقاء لنفسه ، وهذا على معنى ما روي : " إن الدعاء يرد البلاء " والله أعلم . وفيه وجه آخر : وهو أن يكون معناه : ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله ترديدي إياهم في نفس المؤمن ، كما روي في قصة موسى وملك الموت صلوات الله عليهما ، وما كان من لطمة عينه ، وتردده عليه مرة بعد أخرى ، وتحقيق المعنى في الوجهين معا : عطف الله عز وجل على العبد ، ولطفه به والله أعلم " .


