1036 - حدثنا موسى بن هارون ، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن جمهور ، قال: حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى ، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران ، قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، عن أبيه، قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: يا خال أخبرني عن قصتكم يوم أحد، قال: " اقرأ بعد العشرين ومائة، من آل عمران، تجد قصتنا: وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال إلى قوله: ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ، وذكر بقية الحديث [ ص: 429 ] .
1037 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، في حديثه عن عروة ، قال : كانت وقعة أحد ، في شوال ، على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير ، وكانت غزوة بني النضير على رأس ستة أشهر من وقعة بدر .
1038 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت كأني في درع حصينة ، ورأيت بقرا منحرة ، فأولت أن الدرع المدينة ، وأن البقر بقر ، والله خير . فلو أقمنا بالمدينة ، فإن دخلوا علينا ، قاتلناهم " فقالوا : والله ما دخلت علينا في الجاهلية ، أفتدخل علينا في الإسلام؟ ! قال : " فشأنكم إذا ! " فقالت الأنصار بعضها لبعض : رددنا على النبي صلى الله عليه وسلم رأيه ، فجاءوا ، فقالوا : يا رسول الله ، شأنك ! فقال : " آلآن ! إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها ، حتى يقاتل " .
1039 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن شهاب ، ومحمد بن يحيى بن حيان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عمرو ، وغيرهم ، وقد اجتمع حديثهم كلهم فيما سقت من هذا الحديث ، عن يوم أحد .
[ ص: 430 ] قال : خرجت قريش حتى نزلوا العينين ، جبل ببطن السبخة ، من قناة ، على شفير الوادي ، مما يلي المدينة ، ونزلت قريش منزلها أحدا ، يوم الأربعاء ، فأقاموا ذلك اليوم ، ويوم الخميس ، ويوم الجمعة ، ومضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل بالشعب من إحدى عدوتي الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير ، أخا بني عمرو بن عوف ، والرماة خمسون رجلا . فقال : انضح عنا الخيل بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت علينا أو لنا فاثبت مكانك ، لا نؤتين من قبلك ! .
وظاهر رسول الله بين درعين ، وقال : من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام أبو دجانة فقال : أنا آخذه بحقه ، فأعطاه إياه ، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت ، وكان إذا علم بعصابة له حمراء ، يتعصب بها على رأسه ، علم الناس أنه سيقاتل ، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته ، فعصبها برأسه ، ثم جعل يتبختر بين الصفين ، وأقبل القوم حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن [ ص: 431 ] في الناس ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، في رجال من المسلمين ، فأنزل الله عز وجل نصره ، وصدقهم وعده ، فحسوهم بالسيف حتى كشفوهم عن العسكر ، وكانت الهزيمة لا شك فيها .
1040 - قال أحمد : فحدثنا إبراهيم ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن الزبير ، قال والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند وصواحباتها ، مشمرات هوارب ، ما دون إحداهن قليل ، ولا كثير .
-قال محمد بن إسحاق ، عن بعض أهل العلم : إن اللواء مرتفع ، حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية ، فدفعته لقريش ، فلاذوا بها ، وكان اللواء مع صواب غلام لبني طلحة ، حبشي ، وكان آخر من أخذه منهم ، فقاتل [بها] حتى قطعت يداه ، ثم برك عليه فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه وهو يقول : اللهم هل أعزرت؟ ! يقول : هل أعذرت .
-قال أحمد : فحدثنا إبراهيم ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، قال : وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطأة بن شرحبيل بن [ ص: 432 ] هاشم بن عبد مناف بن قصي -وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء- ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني ، وكان يكنى بأبي نيار ، فقال له حمزة : هلم إلي يابن مقطعة البظور ! وكانت أمه أم أنمار ، مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي ، وكانت ختانة بمكة ، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله .
قال محمد بن إسحاق : فقال حسان بن ثابت في قطع يدي صؤاب ، حين تقاذعوا الشعر :
فخرتم باللواء وشر فخر لواء حين رد إلى صؤاب جعلتم فخركم فيها لعبد
من الأم من وطى عفر التراب ظننتم ، والسفيه له ظنون
وما إن ذاك من أمر الصواب بأن جلادنا يوم التقينا
بمكة بيعكم حمر العياب أقر العين أن عصبت يداه
وما إن تعصبان على خضاب
1041 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير ، قال : مالت الرماة إلى العسكر ، حتى كشفنا القوم عنه يريدون النهب ، [ ص: 433 ] وخلوا ظهورنا للجبل ، يعني : يوم أحد ، وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل ، فانكشفنا ، وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء ، حتى ما يدنو منه أحد ، من القوم .
قال وحشي ، غلام جبير بن مطعم : والله إني لأنظر إلى حمزة ، يهد الناس بسيفه ما يليق شيئا . . . . مثل الجمل الأورق إذ تقدمني إليه سباع ، فقال له حمزة : هلم إلي يا ابن مقطعة البظور ، فضربه ، فكأنما أخطأ رأسه ، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها ، دفعتها عليه ، فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه ، فأقبل نحوي ، فغلب فوقع ، فأهملته حتى إذا مات جئت ، فأخذت حربتي ، ثم تنحيت إلى العسكر ، ولم يكن لي بشيء حاجة غيره .
1042 - فوقفت هند بنت عتبة كما حدثنا علي ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا إبراهيم ، عن محمد بن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، قال : وقفت [ ص: 434 ] هند بنت عتبة ، والنسوة اللاتي معها ، يمثلن بالقتلى ، من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجدعن الآذان والآنف ، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدما وقلائد ، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشيا ، غلام جبير بن مطعم ، وبقرت عن كبد حمزة ، ولاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ، ثم علت على صخرة مشرفة ، فصرخت بأعلى صوتها .
1043 - قال ابن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، أنه حدث ، أن عمر بن الخطاب قال لحسان بن ثابت : يابن الفريعة لو سمعت هندا ورأيت أشرها ، قائمة على صخرة ، ترتجز بنا ، وتذكر ما صنعت بحمزة؟ ! وقد كان الحليس بن زبان ، أخو بني الحارث بن عبد مناف ، -وهو يومئذ سيد الأحابيش- قد مر بأبي سفيان ، وهو يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح ، ويقول : ذق عقق . فقال الحليس : يا بني عبد كنانة ، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه كما ترون ، فقال : ويحك ! اكتمها علي ، فإنها زلة كانت .
[ ص: 435 ] قال ابن إسحاق ، أنه بلغه ، قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة بن عبد المطلب ، فوجده ببطن الوادي ، قد بقر بطنه عن كبده ، ومثل به ، فجدع أنفه وأذناه .
1044 - فحدثنا علي ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا إبراهيم ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال حين رأى به ما رأى : لولا أن تحزن صفية ، أو تكون سنة بعدي ، لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير .
فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على ما فعل بعمه ، قالوا : والله لئن أظهرنا الله عليهم ، لنمثلن بهم .
قال إبراهيم بن سعد : وبلغني أن عبد الرحمن بن عوف . . . يومئذ ، وبه إحدى وعشرون جراحة وهتم ، وجرح في رجله ، فعرج من ذلك الجرح .
وقد أقبلت -فيما بلغني- صفية بنت عبد المطلب ، لتنظر إليه ، وكان أخاها لأمها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام : القها [ ص: 436 ] فأرجعها; لا ترى ما بأخيها ، فلقيها الزبير بن العوام ، فقال لها : يا أمه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي ، فقالت : ولم؟ وقد بلغني أن قد مثل بأخي ، وذلك في (ذات ) الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ! . لأصبرن ولأحتسبن إن شاء الله .
فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بذلك ، قال : خل سبيلها ، فأتته ، فنظرت إليه ، فصلت عليه ، واسترجعت ، واستغفرت له ، ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن .
فزعم آل عبد الله بن جحش -وكان لأميمة بنت عبد المطلب حمزة خاله ، وكان قد مثل به كما مثل بحمزة ، إلا أنه لم يبقر عن كبده- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفنه مع حمزة في قبره ، ولم أسمع ذلك إلا عن أهله .
قال : وقد احتمل أناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة ، فدفنوهم بها ، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وقال : ادفنوهم حيث صرعوا .
قال ابن إسحاق : ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار ، من بني عبد الأشهل وظفر ، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم ، فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ، ثم قال : لكن حمزة لا بواكي له ! فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حصين إلى دار بني عبد الأشهل ، أمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 437 ] قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم ، عن عباد بن حنيف ، عن بعض رجال بني عبد الأشهل ، قال : لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهن على حمزة ، خرج إليهن - وهن على باب المسجد يبكين عليه- فقال : ارجعن يرحمكن الله فقد آسيتن بأنفسكن .
قوله جل وعز : إذ تحسونهم بإذنه .
1045 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن جمهور ، قال : حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عمران ، قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، عن أبيه ، قال : قلت لعبد الرحمن بن عوف : يا خال أخبرني عن يوم أحد ، قال : اقرأ وإذ غدوت من أهلك إلى قوله عز وجل : إذ تحسونهم بإذنه قال : الحس : القتل [ ص: 438 ] .
1046 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : إذ تحسونهم بإذنه يقول ابن عباس : الحس القتل .
1047 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا مسلم ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إذ تحسونهم بإذنه قال إذ تقتلونهم .
وممن قال بهذا القول : سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، وقتادة .
1048 - حدثنا زكريا ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا زياد ، عن محمد بن إسحاق : إذ تحسونهم بإذنه إذ تحسونهم بالسيوف ، أي : القتل [بإذني ، وتسليطي أيديكم] عليهم ، وكفي أيديهم عنكم .
1049 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا الأثرم ، عن [ ص: 439 ] أبي عبيدة : إذ تحسونهم بإذنه تستأصلونهم قتلا ، يقال : أحسسناهم من عند آخرهم ، أي : استأصلناهم .
1050 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، قال : سمعت البراء بن عازب ، يحدث قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلا- عبد الله بن جبير ، ووضعهم مكانا ، وقال لهم : إن رأيتمونا تتخطفنا الطير ، فلا تبرحوا مكانكم هذا ، حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم ، فلا تبرحوا ، حتى أرسل إليكم .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم -أو قال : مضى- في من معه ، فهزمهم ، فأنا -والله- رأيت النساء يشددن على الجبل ، قد بدت خلاخلهن ، وأسوقهن ، رافعات ثيابهن . فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة أي قوم الغنيمة ، ظهر أصحابكم ، فماذا تنتظرون؟ ! .
1051 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : ما نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في موطن كما نصر في أحد ، قال : فأنكر ذلك عليه ، فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك ، [ ص: 440 ] كتاب الله ، إن الله عز وجل يقول في يوم أحد : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه يقول ابن عباس : والحس : القتل حتى إذا فشلتم إلى قوله : ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين وإنما عنى بهذا : الرماة . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ، ثم قال : احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا قد غنمنا ، فلا تشركونا . فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا ، فدخلوا العسكر ينتهبون ، وقد التفت صفوف فهم هكذا ، وشبك بين أصابع يديه ، والتبسوا .
فلما أخلى الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها ، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فضرب بعضهم بعضا ، والتبسوا ، وقتل من المسلمين ناس كثير ، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار ، حتى قتل من أصحاب اللواء المشركين سبعة أو تسعة ، وجال المسلمون جولة نحو الجبل ولم يبلغوا حيث يقول الناس الغار ، إنما كانوا تحت المهراس ، وصاح الشيطان : قتل محمد ، فلم يشك فيه أحد أنه حق .
فما زلنا كذلك لا يشك أنه قد قتل ، حتى طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعدين نعرفه بتكفئه إذا مشى ، قال : ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا .
قال : فرقى نحونا وهو يقول : اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسوله ، قال : ويقول مرة : اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا ، حتى انتهى إلينا .
قال : فمكث ساعة ، فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل : اعل هبل ! ! [ ص: 441 ] اعل هبل ! ! يعني : آلهته . أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن أبي الخطاب ؟ قال : فقال عمر : يا رسول الله ! ألا أجيبه ؟ ! قال : بلى ! فلما قال : اعل هبل ، قال عمر : الله أعلى وأجل .
قال : فقال أبو سفيان : يا ابن الخطاب إنه قد أنعمت ! فعاد عنها ، أو فقال عنها ، قال : فقال : أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ !
قال : فقال عمر : هذا رسول الله ! هذا أبو بكر ! وهأنا ذا عمر ! فقال أبو سفيان : يوم كيوم بدر ، إن الأيام دول ، وإن الحرب سجال .
قال : فقال عمر : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار قال : إنكم لتزعمون ذلك ! لقد خبنا إذا وخسرنا ، ثم قال أبو سفيان : أما إنكم سوف تجدون في قتلاكم مثل ، ولم يكن ذاك عن رأي سراتنا .
قال : ثم أدركته حمية الجاهلية ، فقال : أما إنه إذ كان ذاك لم نكرهه [ ص: 442 ] .
قوله جل وعز : إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر الآية
1052 - حدثنا علي بن المبارك ، قال : حدثنا زيد ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن ابن جريج ، عن ابن عباس : حتى إذا فشلتم قال الفشل : الجبن .
1053 - حدثنا زكريا ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا زياد ، عن محمد بن إسحاق : حتى إذا فشلتم أي تخاذلتم وتنازعتم في الأمر ، أي : اختلفتم في أمري .
-وقال قتادة : إذا فشلتم تقول : جبنتم .
قوله جل وعز : وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون .
1054 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، قال سمعت البراء بن عازب -وذكر شأن أحد ، وخبر الرماة ، وهزيمة المشركين- قال البراء : " فأنا -والله- رأيت النساء يشددن على الجبل قد بدت خلاخلهن وأسوقهن ، رافعات ثيابهن ، فقال أصحاب عبد الله بن جبير -يعني : الرماة- : الغنيمة أي قوم الغنيمة ، ظهر أصحابكم فماذا تنتظرون ؟ فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم [ ص: 443 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : أما -والله- لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم ، صرفت وجوههم ، فأقبلوا منهزمين .
1055 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون فإنما عنى بهذا الرماة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ، ثم قال : احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل ، فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا .
فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين ، انكفت الرماة جميعا ، فدخلوا العسكر ينتهبون ، وقد التفت صفوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم هكذا -وشبك بين أصابع يديه- التبسوا ، فلما أخلى الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها ، دخلت الخيل من ذلك الموضع .
1056 - حدثنا زكريا ، قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال : حدثنا داود بن مهران ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، في قوله عز وجل : حتى إذا فشلتم قال : وكان وضع خمسين رجلا من أصحابه ، عليهم عبد الله ، فجعلهم بإزاء خالد بن الوليد على جبل المشركين .
[ ص: 444 ] فلما هزم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، قال نصف أولئك : نذهب حتى نلحق بالناس ، ولا يفوتنا بالغنائم . وقال بعضهم : قد عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نريم حتى يحدث إلينا ، قال : فلما رأى خالد بن الوليد رقتهم حمل عليهم ، فقاتلوا حتى ماتوا ، فأنزل الله جل وعز فيهم : ولقد صدقكم الله وعده إلى قوله : وعصيتم فجعل أولئك الذين انصرفوا عصاة .
1057 - حدثنا زكريا ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا ابن زياد ، عن محمد بن إسحاق : وتنازعتم في الأمر أي : اختلفتم في أمري ، وعصيتم ، أي : تركتم ما أمر نبيكم ، وما عهد إليكم ، يعني : الرماة من بعد ما أراكم ما تحبون أي : الفتح ، لا شك فيه .
1058 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن جمهور ، قال : حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عمران ، قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، عن أبيه ، قال : قلت لعبد الرحمن بن عوف : يا خال ! أخبرني عن يوم أحد ، قال : اقرأ إلى قوله : وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون قال : معصية الرماة ما أمروا به أن لا يبرحوا مصافهم [ ص: 445 ] .
1059 - حدثنا زكريا ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا زهير هو ابن خيثمة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : من بعد ما أراكم ما تحبون الغنائم ، وهزيمة القوم ؟
قوله جل ذكره : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة .
1060 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود ، قال : إن النساء كن يوم أحد خلف الرجال ، يجهزن على جرحى المشركين ، قال : ولو حلفت أنه لم يكن منا أحد يومئذ يريد الدنيا ، لرجوت أن أبر ، حتى أنزل الله عز وجل : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة فلما خالف القوم ما أمرهم به رسول الله وعصوا أمره ، أفرد رسول الله في تسعة ، سبعة من الأنصار ، ورجلين من قريش .
1061 - حدثنا زكريا ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا زياد ، عن محمد بن إسحاق : منكم من يريد الدنيا أي : الذين أرادوا النهب ، رغبة في الدنيا ، وترك ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة : ومنكم من يريد الآخرة أي : الذين جاهدوا في الله ، ولم يخالفوا إلى ما نهوا عنه [ ص: 446 ] لغرض من الدنيا ، رغبة فيه ، رجاء ما عند الله من حسن ثوابه ، في الآخرة .
قوله جل وعز ثم صرفكم عنهم ليبتليكم .
1062 - أخبرنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا الأثرم ، عن أبي عبيدة : ثم صرفكم عنهم ليبتليكم أي: " ليبلوكم ، ليختبركم ، ويكون ليبتليكم بالبلاء .
1063 - حدثنا زكريا ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا زياد ، عن محمد بن إسحاق : ثم صرفكم عنهم ليبتليكم أي : ليختبركم ، وذلك ببعض ذنوبكم ولقد عفا عنكم .
1064 - حدثنا علي ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود ، في قصة أحد ، قال : فلما خالف القوم ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعصوا أمره ، أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة ، سبعة من الأنصار ، ورجلين من قريش ، فلما زهقوهم قال : يرحم الله رجلا ردهم عنا ، فحمل رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، فلما زهقوه أيضا ، قال : يرحم الله رجلا ردهم عنا ! فقام رجل من الأنصار [ ص: 447 ] فقاتل حتى قتل ، حتى قتلوا السبعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه : ما أنصفنا أصحابنا .
1065 - حدثنا علي ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا صالح المري ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد على حمزة حين استشهد ، فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قط أوجع لقلبه منه ، ونظر إليه قد مثل به ، قال : فقال : " رحمة الله عليك ، كنت -ما علمتك- وصولا للرحم ، فعولا للخيرات ، ولولا حزن من بعدك عليك ، لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواج شتى ! أما والله -مع ذاك- لأمثلن بسبعين منهم مكانك " .
قال : فنزل جبريل عليه السلام واقفا بعد ، بخواتيم سورة النحل ، قال : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به إلى آخر السورة قال : فصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكفر عن يمينه ، وأمسك عما أراد .
قوله جل وعز : ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين .
1066 - حدثنا زكريا ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا زياد ، عن محمد بن إسحاق : ولقد عفا عنكم عن عظيم ذلك ، أي : لا أهلككم [ ص: 448 ] بما أتيتم من معصية نبيكم عليه السلام ، ولكني عدت بفضلي عليكم . وكذلك من الله على المؤمنين ، إن عاقبت ببعض الذنب ، في عاجل الدنيا أدبا وموعظة ، فإني غير مستأصل لكم ، ما فيه الحق لي عليهم بما أصابوا من معصيتي; رحمة لهم ، وعائدة عليهم ، لما فيهم من الإيمان .
1067 - حدثنا علي بن المبارك ، قال : حدثنا زيد ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن ابن جريج : ولقد عفا عنكم إذ لم يستأصلكم .


