ثم كان غزوة أصطخر الأولى ، وذلك أن عثمان بن أبي العاص أقام بتوج ، وتوفي قتادة بن النعمان الظفري ، فصلى عليه عمر ، ونزل حفرته أخوه لأمه أبو سعيد الخدري ، ومحمد بن مسلمة ، والحارث بن خزمة . ثم حج بالناس عمر ، وأذن لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحججن معه ، فبينا هو بالأبطح إذ أقبل راكب يسأل عن عمر فدل عليه ، فلما رآه بكى وجعل يقول :
جزى الله خيرا من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
بوائج في أكمامها لم تفتق أبعد قتيل بالمدينة أظلمت
له الأرض تهتز العضاه بأسوق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة
ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق فما كنت أخشى أن تكون وفاته
بكفي سبنتي أزرق العين مطرق
ثم دعا بكتاب : " بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى الخليفة من بعدي : سلام عليك ، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله وبالمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم الآية ، فتعرف فضيلتهم وتقسم عليهم فيئهم ، وأوصيك بـ والذين تبوءوا الدار والإيمان الآية ، فهؤلاء الأنصار تعرف فضلهم وتقسم عليهم فيئهم ، وأولئك والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا الآية .
[ ص: 240 ] وخرج أبو لؤلؤة على وجه يريد البقيع ، وطعن في طريقه اثني عشر رجلا ، فخرج خلفه عبيد الله بن عمر فرأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة وكان نصرانيا وهم يتناجون بالبقيع ، فسقط منهم خنجر له رأسان ونصابه في وسطه ، فقتل عبيد الله أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة ثلاثتهم ، فجرى بين سعد بن أبي وقاص وبين عبيد الله في شأن جفينة ملاحاة ، وكذلك بين علي بن أبي طالب وبينه في شأن الهرمزان حتى قال علي بن أبي طالب : إن وليت من هذا الأمر شيئا قتلت عبيد الله بالهرمزان .
ثم أرسل عمر إلى عائشة يستأذنها في أن يدفن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، فأذنت له فقال عمر : أنا أخشى أن يكون ذلك لمكان السلطان مني ، فإذا مت فاغسلوني فكفنوني ثم قفوا بي على بيت عائشة وقولوا : أيلج عمر ؟ فإن قالت : نعم ، فأدخلوني ، وإن أبت فادفنوني بالبقيع . ثم أرسل عمر فجيء بلبن ، فشربه فخرج من جرحه ، فعلم أنه الموت ، فقال لعبد الله بن عمر : انظر ما علي من الدين فاحسبه ، فقال : ستة وثمانون ألفا ، فقال : إن وفى لها مال آل عمر فأدها عني من أموالهم ، [ ص: 241 ] وإلا فسل بني عدي بن كعب ، فإن لم تف من أموالهم فسل قريشا ولا تعدهم إلى غيرهم وأدها عني .
فتوفي عمر - رضي الله عنه - وله خمسة وستون سنة ، وفعل به ما أمر فأذنت له عائشة ، وصلى عليه صهيب ، ودخل حفرته عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر ، وكانت الخلافة عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال . وكان له من العمال وقت ما توفي : على الكوفة المغيرة بن شعبة ، وعلى البصرة أبو موسى ، وعلى حمص وأعمالها عمير بن سعد الضمري ، وعلى دمشق معاوية بن أبي سفيان ، وعلى صنعاء يعلى بن منبه ، وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة ، وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثقفي ، وعلى مكة نافع بن عبد الحارث ، وعلى مصر عمرو بن العاص - رحمهم الله تعالى أجمعين - آمين .


