قال [1] : [2] الروافض في إرادة الله سبحانه واختلفت [3] ، وهم أربع فرق : [ ص: 241 ] فالفرقة الأولى منهم : أصحاب هشام بن الحكم وهشام الجواليقي : يزعمون أن إرادة الله حركة وهي معنى [4] ، لا هي الله [5] ولا هي [6] غيره ، وأنها [7] صفة لله ليست غيره ، وذلك [8] [ أنهم ] [9] يزعمون أن الله إذا أراد الشيء [10] تحرك ، فكان ما أراد [11] .
والفرقة الثانية منهم : أبو مالك الحضرمي وعلي بن ميثم [12] ومن تابعهما : يزعمون أن إرادة الله غيره ، وهي حركة الله ، كما قال هشام ، إلا أن هؤلاء خالفوه فزعموا أن الإرادة حركة ، وأنها غير الله بها يتحرك .
والفرقة الثالثة منهم : القائلون [13] بالاعتزال والإمامة [14] : يزعمون أن إرادة الله ليست بحركة ، فمنهم من أثبتها [15] غير المراد فيقول : إنها مخلوقة لله لا بإرادة [16] ، ومنهم من يقول : إرادة الله [17] لتكوين الشيء هو الشيء ، [ ص: 242 ] وإرادته لأفعال [18] العباد هي أمره إياهم بالفعل ، وهي غير فعلهم ، وهم يأبون أن يكون الله أراد المعاصي فكانت .
والفرقة الرابعة منهم يقولون : لا نقول قبل الفعل : إن الله أراد [19] ، فإذا فعلت [20] الطاعة قلنا : أرادها ، وإذا فعلت المعصية [21] فهو كاره لها غير محب لها [22] " .
قلت : القول الثالث هو قول متأخري الشيعة ، كالمفيد وأتباعه الذين اتبعوا المعتزلة ، وهم طائفة صاحب هذا الكتاب ، والقول الأول [23] قول البصريين من المعتزلة ، والثاني قول البغداديين ، فصار هؤلاء الشيعة على قول [24] المعتزلة .
[25] ( * فهذه لم نر المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم [26] الناس نقلوها عن طائفة من المسلمين أعظم مما نقلوها عن قدماء الرافضة . ثم الرافضة حرموا الصواب في هذا الباب كما حرموه في غيره ، فقدماؤهم [ ص: 243 ] يقولون بالتجسيم الذي هو قول غلاة [27] المجسمة ، ومتأخروهم يقولون بتعطيل الصفات موافقة لغلاة المعطلة من المعتزلة ونحوهم ، فأقوال أئمتهم دائرة بين التعطيل والتمثيل [28] ، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا وهذا .
وأئمة المسلمين من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم متفقون على القول الوسط [29] المغاير لقول أهل التمثيل [ وقول أهل ] التعطيل [30] ، وهذا مما يبين الرافضة لأئمة أهل بيت رسول الله [31] - صلى الله عليه وسلم - في أصول دينهم ، كما هم مخالفون لأصحابه ، بل ولكتاب الله وسنة رسوله . مخالفة
وهذا لأن مبنى مذهب القوم على الجهل والكذب والهوى ، وهم وإن كانوا يدعون اتباع الأئمة الاثني عشر في الشرائع [32] ، فلو قدر من يجوز له التقليد إماما من أئمة أهل البيت [33] - كعلي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وأمثالهم - لكان ذلك سائغا وجعفر الصادق [34] جائزا عند أهل [ ص: 244 ] السنة ، لم تقل أهل السنة : إنه لا يجوز لمن يجوز له التقليد تقليد هؤلاء وأمثالهم ، بل أهل السنة متفقون على أن تقليد الواحد من هؤلاء وأمثالهم كتقليد أمثالهم ، يسوغ هذا لمن يسوغ له ذلك .
وأكثر هذا منصوص علماء السنة على أن التقليد في الشرائع لا يجوز إلا لمن عجز عن الاستدلال ; [35] الشافعي ، وعليه أصحابهما ، وما حكي عن وأحمد من تجويز تقليد العالم للعالم غلط عليه ، ولكن هذا القول حكي أحمد [36] عن - [ صاحب محمد بن الحسن ] أبي حنيفة [37] - قيل عنه : يجوز تقليد الأعلم ، وقيل : العالم .
وهذا النزاع إذا لم يكن تبين له [38] القول الموافق للكتاب والسنة ، فإن تبين له [39] ما جاء به الرسول لم يجز [ له ] [40] التقليد في خلافه باتفاق المسلمين ، وأما تقليد العاجز عن الاستدلال فيجوزه الجمهور ، ومنع منه طائفة من أهل الظاهر .
وجمهور علماء المسلمين على أن القدرة على الاجتهاد والاستدلال مما ينقسم ويتبعض ، فقد يكون الرجل قادرا على الاجتهاد والاستدلال في مسألة أو نوع من العلم دون الآخر ، وهذا حال أكثر علماء [ ص: 245 ] المسلمين ، لكن يتفاوتون في القوة والكثرة ، فالأئمة المشهورون أقدر على الاجتهاد والاستدلال في أكثر مسائل الشرع من غيرهم . وأما أن يدعى أن واحدا منهم قادر على أن يعرف حكم الله في كل مسألة من الدين بدليلها ، فمن ادعى هذا فقد ادعى ما لا علم له به [41] ، بل ادعى ما يعرف [42] أنه باطل * ) [43] .