الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  قال [1] : واختلفت [2] الروافض في إرادة الله سبحانه [3] ، وهم أربع فرق : [ ص: 241 ] فالفرقة الأولى منهم : أصحاب هشام بن الحكم وهشام الجواليقي : يزعمون أن إرادة الله حركة وهي معنى [4] ، لا هي الله [5] ولا هي [6] غيره ، وأنها [7] صفة لله ليست غيره ، وذلك [8] [ أنهم ] [9] يزعمون أن الله إذا أراد الشيء [10] تحرك ، فكان ما أراد [11] .

                  والفرقة الثانية منهم : أبو مالك الحضرمي وعلي بن ميثم [12] ومن تابعهما : يزعمون أن إرادة الله غيره ، وهي حركة الله ، كما قال هشام ، إلا أن هؤلاء خالفوه فزعموا أن الإرادة حركة ، وأنها غير الله بها يتحرك .

                  والفرقة الثالثة منهم : القائلون [13] بالاعتزال والإمامة [14] : يزعمون أن إرادة الله ليست بحركة ، فمنهم من أثبتها [15] غير المراد فيقول : إنها مخلوقة لله لا بإرادة [16] ، ومنهم من يقول : إرادة الله [17] لتكوين الشيء هو الشيء ، [ ص: 242 ] وإرادته لأفعال [18] العباد هي أمره إياهم بالفعل ، وهي غير فعلهم ، وهم يأبون أن يكون الله أراد المعاصي فكانت .

                  والفرقة الرابعة منهم يقولون : لا نقول قبل الفعل : إن الله أراد [19] ، فإذا فعلت [20] الطاعة قلنا : أرادها ، وإذا فعلت المعصية [21] فهو كاره لها غير محب لها [22] " .

                  قلت : القول الثالث هو قول متأخري الشيعة ، كالمفيد وأتباعه الذين اتبعوا المعتزلة ، وهم طائفة صاحب هذا الكتاب ، والقول الأول [23] قول البصريين من المعتزلة ، والثاني قول البغداديين ، فصار هؤلاء الشيعة على قول [24] المعتزلة .

                  [25] ( * فهذه المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم لم نر [26] الناس نقلوها عن طائفة من المسلمين أعظم مما نقلوها عن قدماء الرافضة . ثم الرافضة حرموا الصواب في هذا الباب كما حرموه في غيره ، فقدماؤهم [ ص: 243 ] يقولون بالتجسيم الذي هو قول غلاة [27] المجسمة ، ومتأخروهم يقولون بتعطيل الصفات موافقة لغلاة المعطلة من المعتزلة ونحوهم ، فأقوال أئمتهم دائرة بين التعطيل والتمثيل [28] ، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا وهذا .

                  وأئمة المسلمين من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم متفقون على القول الوسط [29] المغاير لقول أهل التمثيل [ وقول أهل ] التعطيل [30] ، وهذا مما يبين مخالفة الرافضة لأئمة أهل بيت رسول الله [31] - صلى الله عليه وسلم - في أصول دينهم ، كما هم مخالفون لأصحابه ، بل ولكتاب الله وسنة رسوله .

                  وهذا لأن مبنى مذهب القوم على الجهل والكذب والهوى ، وهم وإن كانوا يدعون اتباع الأئمة الاثني عشر في الشرائع [32] ، فلو قدر من يجوز له التقليد إماما من أئمة أهل البيت [33] - كعلي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وجعفر الصادق وأمثالهم - لكان ذلك سائغا [34] جائزا عند أهل [ ص: 244 ] السنة ، لم تقل أهل السنة : إنه لا يجوز لمن يجوز له التقليد تقليد هؤلاء وأمثالهم ، بل أهل السنة متفقون على أن تقليد الواحد من هؤلاء وأمثالهم كتقليد أمثالهم ، يسوغ هذا لمن يسوغ له ذلك .

                  وأكثر علماء السنة على أن التقليد في الشرائع لا يجوز إلا لمن عجز عن الاستدلال ; هذا منصوص [35] الشافعي وأحمد ، وعليه أصحابهما ، وما حكي عن أحمد من تجويز تقليد العالم للعالم غلط عليه ، ولكن هذا القول حكي [36] عن محمد بن الحسن - [ صاحب أبي حنيفة ] [37] - قيل عنه : يجوز تقليد الأعلم ، وقيل : العالم .

                  وهذا النزاع إذا لم يكن تبين له [38] القول الموافق للكتاب والسنة ، فإن تبين له [39] ما جاء به الرسول لم يجز [ له ] [40] التقليد في خلافه باتفاق المسلمين ، وأما تقليد العاجز عن الاستدلال فيجوزه الجمهور ، ومنع منه طائفة من أهل الظاهر .

                  وجمهور علماء المسلمين على أن القدرة على الاجتهاد والاستدلال مما ينقسم ويتبعض ، فقد يكون الرجل قادرا على الاجتهاد والاستدلال في مسألة أو نوع من العلم دون الآخر ، وهذا حال أكثر علماء [ ص: 245 ] المسلمين ، لكن يتفاوتون في القوة والكثرة ، فالأئمة المشهورون أقدر على الاجتهاد والاستدلال في أكثر مسائل الشرع من غيرهم . وأما أن يدعى أن واحدا منهم قادر على أن يعرف حكم الله في كل مسألة من الدين بدليلها ، فمن ادعى هذا فقد ادعى ما لا علم له به [41] ، بل ادعى ما يعرف [42] أنه باطل * ) [43] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية