الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  أما إثبات الصانع فطرقه لا تحصى ، بل الذي عليه جمهور العلماء [1] أن الإقرار بالصانع فطري ضروري مغروز [2] في الجبلة ، [3] ، [ ولهذا كانت دعوة عامة الرسل إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وكان عامة الأمة مقرين بالصانع مع إشراكهم به بعبادة ما دونه ، والذين أظهروا إنكار الصانع كفرعون خاطبتهم الرسل خطاب من يعرف أنه حق ، كقول موسى لفرعون : ( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ) [ سورة الإسراء : 102 ] ، ولما قال فرعون : ( وما رب العالمين ) [ سورة الشعراء : 23 ] ، قال له موسى : ( رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ) [ سورة الشعراء : 24 - 28 ] .

                  [ ص: 271 ] ولما قال فرعون : ( فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) [ سورة طه : 49 - 50 ] ، فكان جواب موسى له جوابا للمتجاهل الذي يظهر أنه لا يعرف الحق وهو معروف عنده ، فإن سؤال فرعون بقوله : ( وما رب العالمين ) استفهام إنكار لوجوده ، ليس هو استفهام طلب لتعريف ماهيته كما ظن ذلك بعض المتأخرين ، وقالوا : إن فرعون طالبه ببيان الماهية ، فعدل عن ذلك لامتناع الجواب بذكرها ، فإن هذا غلط منهم ، فإن فرعون لم يكن مقرا بالصانع ألبتة ، بل كان جاحدا له ، وكان استفهامه استفهام إنكار لوجوده ، ولهذا قال : ( ما علمت لكم من إله غيري ) [ سورة القصص : 38 ] ، وقال : ( أنا ربكم الأعلى ) [ سورة النازعات : 24 ] ، ولو كان مقرا بوجوده طالبا لمعرفة ماهيته لم يقل هذا ، ولكان موسى ما أجابه إجابة لم تذكر فيها ماهيته [4] .

                  مع أن القول بأن الماهية هي ما يقوله المنطقيون من ذكر الذاتي المشترك والذاتي المميز ، وهما الجنس والفصل ، كلام باطل قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع ، وبين أن الماهية المغايرة للوجود الخارجي إنما هي ما يتصور في الذهن ، فإن ما في الأذهان من الصور الذهنية ليس هو نفس الموجودات الخارجية .

                  وأما دعوى أهل المنطق اليوناني أن في الخارج ماهية ووجودا غير [ ص: 272 ] الماهية ، وأن الصفات اللازمة تنقسم إلى لازمة مقومة داخلة في الماهية ، ومفارقة عرضية لها غير مقومة ، وإلى لازمة لوجودها الخارجي دون ماهيتها الخارجية ، فكلام باطل من وجوه متعددة ، كما قد بسط هذا في موضعه ، وبين أن الصفات تنقسم إلى لازمة للموصوف وعارضة له فقط ، كما عليه نظار المسلمين من جميع الطوائف ، وبين كلام نظار المسلمين في الحد والبرهان ، وأن كلامهم في صريح المعقول أصح من كلام المتفلسفة اليونان ومن اتبعهم من المنتسبين إلى الملل ] [5] .

                  وأيضا فنفس حدوث الإنسان يعلم [6] به [7] صانعه ، وكذلك حدوث كل ما يشاهد [8] حدوثه ، وهذه الطريقة مذكورة في القرآن [9] .

                  وأيضا ، فالوجود يستلزم إثبات موجد قديم واجب بنفسه [10] ، ونحن نعلم أن من الموجودات ما هو حادث ، فقد علم بالضرورة انقسام الموجود [11] إلى قديم واجب بنفسه وإلى محدث .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية