وإذا قيل [1] : يفعل ما هو قديم ولا يفعل ما هو حادث .
قيل : فعلى هذا التقدير يجوز تغيير القديم ; لأن التقدير أن المعلول القديم [2] حدثت فيه الحوادث بعد أن لم تكن بلا سبب [ حادث ] [3] ، والمعلول القديم [4] لا يجوز تغييره فإنه يقتضي ( 7 تغيير علته التامة الأزلية الموجبة له . ثم على هذا التقدير المتضمن إثبات قديم معلول لله أو 7 ) [5] إثبات قدماء معلولة [6] عن الله مع حدوث الحوادث ( 9 الدائمة في ذلك القديم ، أو مع تجدد حدوث الحوادث 9 ) [7] فيها هو [8] قول بحدوث [ هذا ] [9] [ ص: 279 ] العالم ، كما يذكر ذلك عن ديمقراطيس [10] ومحمد بن زكريا الرازي وغيرهما - وهذا مبسوط في موضعه [11] - [ وكما هو ، قول من يقول بحدوث الأجسام كلها والرازي قد يجعل القولين قولا واحدا ، كما أشار إلى ذلك في " محصله " [12] وغير محصله . وذلك أن المعروف عن الحرنانيين [13] هو القول بالقدماء الخمسة ، ثم بنوا عليه تصور النفس و ( قد حدث لها عشق ) تعلقت بسببه بالهيولي ليكون للأجسام سبب اقتضى حدوثها [14] [15] ، لكنه [16] مع هذا باطل ، فإن [17] حدوث الحوادث بلا سبب إن كان ممتنعا بطل هذا القول ; لأنه يتضمن حدوث الحوادث بلا سبب ، ( 9 وإذا كانت أحوال الفاعل واحدة ، وهو لا يقوم به شيء من الأمور الاختيارية امتنع أن يختص بعض الأحوال بسبب يقتضي حدوث الأجسام 9 ) [18] ، وإن [ ص: 280 ] كان ممكنا أمكن حدوث كل ما سوى الله بعد أن لم يكن ، وكانت هذه القدماء مما يجوز حدوثه .
وأيضا ، فعلى هذا القول يكون موجبا بذاته [19] لمعلولاته [20] ع : لم يصر ، وهو خطأ . فاعلا بالاختيار لغيرها ، والقول بأحد القولين يناقض الآخر ] [21] . .
وإن قيل : إن الحوادث يجوز دوامها ، امتنع أن تكون علة أزلية لشيء منها ، والعالم لا يخلو منها على هذا التقدير ع ( فقط ) : والعالم على التقديرين ، وفي العبارة نقص وتحريف . بل هو مستلزم لها ، فيمتنع أن يكون علة [ تامة ] تامة : [22] . لها في الأزل ، ويمتنع أن يكون علة للملزوم دون لازمه .
( 7 وأيضا ، فإن كل ما سوى الواجب يمكن وجوده وعدمه ، وكل ما كان كذلك فإنه لا يكون إلا موجودا بعد عدمه 7 ) [23] .
[24] [25] . [ وأيضا ، فإن القول بأن المفعول المعين يقارن فاعله أزلا وأبدا مما يعلم بطلانه بضرورة العقل ، ولهذا كان هذا مما اتفق عليه جماهير العقلاء من الأولين والآخرين ، حتى أرسطو وأصحابه القدماء ومن اتبعه من المتأخرين ، فإنهم متفقون على أن كل ما أمكن وجوده وعدمه لا يكون [ ص: 281 ] إلا محدثا مسبوقا بالعدم . وإنما أثبت ممكنا قديما ومن وافقه ، وقد أنكر ذلك عليه إخوانه الفلاسفة وبينوا أنه خالف في ذلك قول سلفه ، كما ذكر ذلك ابن سينا وغيره ، وكذلك عامة العقلاء من جميع الطوائف متفقون على أن كل ما يقال : إنه مفعول أو مبدع أو مصنوع لا يكون إلا محدثا . ابن رشد
ولهذا كان جماهير العقلاء إذا تصوروا أنه خلق السماوات والأرض تصوروا أنه أحدثها ، لا يتصور في عقولهم أن تكون مخلوقة قديمة ، وإن عبر عن ذلك بعبارات أخر مثل أن يقال : هي مبدعة قديمة أو مفعولة قديمة ونحو ذلك ، بل هذا وهذا جمع بين الضدين عند عامة العقلاء ، وما يذكره من يثبت مقارنة المفعول لفاعله من قولهم : حركت يدي فتحرك الخاتم ونحوه ، تمثيل غير مطابق ; لأنه ليس في شيء مما يذكرونه علة فاعلة تقدمت على المعلول المفعول ، وإنما الذي تقدم في اللفظ شرط أو سبب كالشرط ، ومثل ذلك يجوز أن يقارن المشروط ، هذا إذا سلم مقارنة الثاني للأول ، وإلا ففي كثير مما يذكرونه يكون متأخرا عنه مع اتصاله به ، كأجزاء الزمان بعضها مع بعض ، هو متصل بعضها ببعض مع التأخر .
وأما ما ذكره الرازي في " محصله " وغير محصله ; حيث قال [26] . : " اتفق المتكلمون على أن القديم يمتنع استناده [27] . إلى الفاعل ، واتفقت [ ص: 282 ] الفلاسفة على أنه غير ممتنع زمانا ، فإن العالم قديم عندهم زمانا مع أنه فعل الله تعالى " .
فيقال : أما نقله عن المتكلمين فصحيح ، وهو قول جماهير العقلاء من جميع الطوائف ، وأما نقله عن الفلاسفة ، فهو قول طائفة منهم ، وليس هو قول جمهورهم : لا القائلين بقدم العالم كابن سينا كأرسطو وأتباعه ، ولا القائلين بحدوث صورته ، وهم جمهور الفلاسفة ، فإن القائلين بقدمه لم يكونوا يثبتون له فاعلا مبدعا كما يقوله ، بل منهم من لا يثبت له علة فاعلة . ابن سينا وأرسطو يثبت له علة غائية يتشبه بها الفلك ، لم يثبت علة فاعلة ، كما يقوله وأمثاله ، وأما من قبل ابن سينا أرسطو فكانوا يقولون بحدوث السماوات ، كما يقوله أهل الملل .
ثم قال الرازي : " وعندي أن الخلاف في هذا المقام لفظي ؛ لأن المتكلمين يمتنعون من إسناد القديم [28] . إلى المؤثر الموجب بالذات ، وكذلك زعم مثبتو الحال [29] . بناء على أن عالمية الله وعلمه [30] . قديمان [31] . ، مع أن العالمية والقادرية معللة بالعلم والقدرة المحصل : مع أن العالمية معللة بالعلم . . وزعم أبو هاشم أن العالمية والقادرية والحيية والموجودية [32] معللة بحال [33] . خامسة مع أن الكل [ ص: 283 ] قديم . وزعم أبو الحسين [34] . أن العالمية حال [35] . معللة بالذات ، وهؤلاء وإن كانوا يمتنعون عن إطلاق لفظ القديم على هذه الأحوال ، ولكنهم يغطون المعنى [36] . في الحقيقة " .
فيقال : ، والصفات اللازمة للموصوف : فإن قيل : إنها قديمة فليست مفعولة عند أحد من العقلاء ، بل هي لازمة للذات بخلاف المفعولات الممكنة المباينة للفاعل ، فإن هذا هو المفعول الذي أنكر جمهور العقلاء على من قال بقدمه ، والمتكلمون وسائر جمهور العقلاء متفقون على أن المفعول لا يكون قديما ، وإن قدر أنه فاعل بالطبع كما تفعل الأجسام الطبيعية ، فما ذكره عن المتكلمين فليس بلازم لهم . ليس في المتكلمين من يقول بأن المفعول قد يكون قديما : سواء كان الفاعل يفعل بمشيئته ، أو قدر أنه يفعل بذاته بلا مشيئة
ثم قال [37] . : " وأما لكونه عندهم الفلاسفة فإنهم إنما جوزوا إسناد العالم القديم إلى البارئ [38] . موجبا بالذات ، حتى لو اعتقدو فيه كونه فاعلا بالاختيار لما جوزوا كونه موجبا [39] . للعالم القديم " .
[ ص: 284 ] قال [40] . : " فظهر من هذا اتفاق الكل على جواز إسناد القديم إلى الموجب القديم وامتناع إسناده إلى المختار " .
فيقال : بل الفلاسفة في كونه يفعل بمشيئته على قولين معروفين لهم . وأبو البركات وغيره يقولون بأنه فاعل بمشيئته مع قولهم بقدم العالم ، فتبين أن ما ذكره عن المتكلمين باطل ، وما ذكره عن الفلاسفة باطل .
أما الفلاسفة فعلى قولين ، وأما المتكلمون فمتفقون على بطلان ما حكاه عنهم أو ألزمهم به ، بل هم وجمهور العقلاء يقولون : يعلم بالضرورة أن كل مفعول فهو محدث ، ثم كونه مفعولا بالمشيئة أو بالطبع مقام ثان [41] . .
وليس العلم بكون المفعول محدثا مبنيا على كون الفاعل مريدا ، فإن الفعل عندهم لا يكون ابتداؤه إلا من قادر مريد ، لكن هذه قضية قائمة بنفسها ، وهذه قضية قائمة بنفسها ، وكل منهما دليل على حدوث كل ما سوى الله ، وهما أيضا قضيتان متلازمتان .
وهذه الأمور لبسطها موضع آخر ، ولكن المقصود هنا أن المبطلين لأصول الجهمية والمعتزلة من أهل السنة والشيعة وغيرهم يقولون بهذه [ ص: 285 ] الطرق ] [42] . ، فهذه الطرق [43] . وغيرها مما يبين [44] . به حدوث كل [45] ما سوى الله [ تعالى ] [46] . ، سواء قيل بأن كل حادث مسبوق بحادث أو لم يقل .
وأيضا [47] . ، فما يقوله قدماء الشيعة والكرامية ونحوهم ، لهؤلاء [48] . أن يقولوا : نحن علمنا أن العالم مخلوق بما فيه من آثار الحاجة ، كما قد تبين [49] . قبل هذا أن كل جزء من العالم محتاج ، فلا يكون ( 9 واجبا بنفسه ، فيكون 9 ) [50] . مفتقرا إلى الصانع ، فثبت [51] . الصانع بهذا الطريق .
ثم يقولوا [52] . : ، فثبت حدوثه بهذا الطريق . ويمتنع وجود حوادث لا أول لها
ولهذا كان محمد بن الهيصم [53] . ومن وافقه كالقاضي أبي خازم بن [ ص: 286 ] القاضي أبي يعلى [54] . [ في كتابه المسمى " بالتلخيص " ] [55] . لا يسلكون في إثبات الصانع الطريق التي يسلكها [ أولئك " المعتزلة [56] . ومن وافقهم [ حيث يثبتون أولا حدوث العالم بحدوث الأجسام ، ويجعلون ذلك هو الطريق إلى إثبات الصانع ] [57] . ، بل يبتدئون [58] . بإثبات الصانع ثم يثبتون حدوث العالم بتناهي الحوادث ولا يحتاجون أن يقولوا : كل جسم [ محدث ] [59] . .
وبالجملة فالتقديرات أربعة ، فإن الحوادث : إما أن يجوز دوامها ، [ وإما أن يمتنع دوامها ويجب أن يكون لها ابتداء ] [60] ، وعلى التقديرين : [ ص: 287 ] فإما أن يكون كل جسم محدثا [61] . وإما أن [ لا ] يكون ، [ وقد قال ] بكل قول طائفة من أهل القبلة وغيرهم [62] . .
وكل هؤلاء يقولون بحدوث الأفلاك وأن الله أحدثها بعد عدمها ، ليس فيهم من يقول بقدمها ، فإن ذلك قول الدهرية ، سواء قالوا : [ مع ذلك بإثبات عالم معقول كالعلة الأولى ، كما يقوله الإلهيون منهم ، أو لم يقولوا بذلك ، كما يقوله الطبيعيون منهم ; وسواء قالوا : إن تلك العلة الأولى هي علة غائية ، بمعنى أن الفلك يتحرك للتشبه بها ، كما هو قول أرسطو وأتباعه ، أو قالوا : إنها علة مبدعة للعالم ، كما يقوله وأمثاله ; أو قيل بالقدماء الخمسة كما يقوله ابن سينا الحرنانيون [63] . ونحوهم ، أو قيل بعدم صانع لها ] [64] . : سواء قيل بوجوب [ ثبوت ] وجودها [65] . أو حدوثها لا بنفسها ، أو وجوب وجود المادة وحدوث الصورة بلا محدث ، كما يذكر عن الدهرية المحضة منهم .
مع أن كثيرا من الناس يقولون [66] . : إن هذه الأقوال من جنس أقوال [67] السوفسطائية التي لا تعرف عن قوم معينين ، وإنما هي شيء يخطر لبعض الناس في بعض الأحوال [68] .
[ ص: 288 ] وإذا كان كذلك ، فقد تبين أنه ليس لهذا الإمامي ، وأمثاله من متأخري الإمامية والمعتزلة وموافقيهم حجة [69] . عقلية على بطلان قول إخوانهم من متقدمي الإمامية وموافقيهم ( 2 الذين نازعوهم في مسائل الصفات والقرآن وما يتبع 2 ) [70] . ذلك فكيف يكون حالهم [71] مع أهل السنة الذين هم أصح عقلا ونقلا ؟ ! [72] . .