الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  والقول الثاني [1] : أن الظلم ممكن مقدور ، [ وأنه ] [2] منزه عنه لا يفعله لعلمه وعدله ، فهو لا يحمل [ على ] [3] أحد ذنب غيره [4] . [ قال تعالى ] : [5] [ ولا تزر وازرة وزر أخرى ] [ سورة الإسراء : 15 ] ، [ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ] [ سورة طه : 112 ] .

                  وعلى هذا فعقوبة الإنسان بذنب غيره ظلم ينزه [6] الله عنه [7] ، وأما [ ص: 310 ] إثابة المطيع ففضل منه وإحسان ، وإن كان حقا واجبا بحكم وعده باتفاق المسلمين ، وبما كتبه [8] على نفسه من الحرمة ، وبموجب أسمائه وصفاته .

                  فليس هو من جنس ظلم الأجير الذي استؤجر ولم يوف أجره ، فإن هذا معاوضة [9] ، والمستأجر استوفى منفعته ، فإن [10] لم يوفه أجره ظلمه .

                  والله تعالى هو المحسن إلى العباد بأمره ونهيه ، وبإقداره لهم على الطاعة ، وبإعانتهم على طاعته . وهم [11] كما قال تعالى في الحديث الصحيح الإلهي : " يا عبادي [ إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي ] [12] كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا [13] على أفجر قلب رجل [ منكم ] [14] ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، [ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص مما عندي إلا [ ص: 311 ] كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ] [15] ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " [16] .

                  فبين [17] أن الخير الموجود من الثواب مما يحمد الله عليه لأنه المحسن به وبأسبابه ، وأما العقوبة فإنه [18] عادل فيها فلا يلومن العبد إلا نفسه ، كما قيل : كل نعمة منه فضل ، وكل نقمة منه عدل .

                  [ وأصحاب هذا القول يقولون : الكتاب والسنة إنما تدل على هذا القول ، والله قد نزه نفسه في غير موضع عن الظلم الممكن المقدور ، مثل نقص الإنسان من حسناته ، وحمل سيئات غيره عليه .

                  وأما خلق أفعال العباد واختصاصه أهل الإيمان بإعانتهم على الطاعة فليس هذا من الظلم في شيء باتفاق أهل السنة والجماعة وسائر المثبتين للقدر من جميع الطوائف ، ولكن القدرية تزعم أن ذلك ظلم ، وتتكلم في التعديل والتجوير [19] بكلام متناقض فاسد كما قد بين في موضعه ] [20] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية