الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  أما بعد ، فإنه قد [1] أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتابا صنفه بعض [ شيوخ الرافضة في عصرنا منفقا ] [2] لهذه البضاعة ، يدعو به [3] إلى مذهب الرافضة الإمامية ، من أمكنه دعوته من ولاة الأمور ، [ وغيرهم أهل الجاهلية ، ممن قلت معرفتهم ] [4] بالعلم والدين ، ولم [ ص: 5 ] يعرفوا أصل دين المسلمين ، وأعانه على ذلك من عادتهم إعانة [ الرافضة من المتظاهرين بالإسلام ، من ] [5] أصناف الباطنية الملحدين

                  [6] الذين هم في الباطن من الصابئة [7] الفلاسفة الخارجين عن حقيقة [ ص: 6 ] [ متابعة [8] المرسلين الذين لا يوجبون اتباع ] [9] دين الإسلام [10] ، ولا يحرمون [ اتباع ] ما سواه [11] من الأديان ، بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب ، والسياسات [ التي يسوغ اتباعها ، وأن النبوة ] نوع من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا .

                  فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون [ إذا كثرت الجاهلية ، وأهلها ] ، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة ، والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة [12] الضلال ، [ ويكشف ما في خلافها من الإفك ] ، والشرك ، والمحال .

                  وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا ، بل هم يؤمنون ببعض أحوالها ، ويكفرون [ ببعض الأحوال [13] ، وهم متفاوتون فيما ] يؤمنون به ، ويكفرون به من تلك الخلال ، فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل [14] [ الجهالات .

                  [ ص: 7 ] والرافضة ، والجهمية ]

                  [15] هم الباب لهؤلاء الملحدين ، منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله ، وآيات [ كتابه المبين ، كما قرر ذلك ] رءوس [ الملحدة من ] القرامطة [16] الباطنية [17] ، وغيرهم من المنافقين .

                  وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من [ أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم ] عند من مال إليهم من الملوك ، وغيرهم ، وقد صنفه [18] للملك المعروف الذي سماه فيه [19] [ خدابنده [20] ، وطلبوا مني بيان ما في هذا ] [ ص: 8 ] الكتاب من الضلال ، وباطل الخطاب ، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين ، وبيان [ بطلان أقوال المفترين الملحدين ] .

                  فأخبرتهم أن هذا الكتاب ، وإن كان من أعلى [21] ما يقولونه في باب الحجة والدليل ، فالقوم [ من أضل الناس عن سواء السبيل ، فإن ] الأدلة إما نقلية ، وإما عقلية ، والقوم من أضل الناس في المنقول ، والمعقول في المذاهب [ والتقرير ، وهم من أشبه [22] الناس بمن ] قال الله فيهم : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) [ سورة الملك : 10 ] ، [ والقوم [23] من أكذب الناس في النقليات ، ومن أجهل [24] ] الناس في العقليات ، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار [25] أنه من [ الأباطيل ، ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار [26] ] المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل ، ولا يميزون في نقلة العلم ، ورواة [ الأحاديث [27] ] ، والأخبار [28] [ بين المعروف بالكذب ، أو ] الغلط ، أو الجهل [29] بما ينقل ، وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار [30] .

                  [ ص: 9 ] [ وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد ] ، وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات ، فتارة يتبعون المعتزلة ، والقدرية

                  [31] ، وتارة يتبعون المجسمة [32] ، [ والجبرية

                  [33] ، وهم من أجهل هذه الطوائف ] بالنظريات ، ولهذا كانوا عند عامة أهل العلم والدين من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين .

                  [ ص: 10 ] [ ومنهم من أدخل على الدين ] من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد ، فملاحدة الإسماعيلية [34] ، والنصيرية [35] ، وغيرهم من [ الباطنية [ ص: 11 ] المنافقين من بابهم [36] دخلوا ] ، وأعداء المسلمين من المشركين ، وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا ، واستولوا بهم على بلاد [ الإسلام ، وسبوا الحريم ، وأخذوا ] الأموال ، وسفكوا الدم الحرام ، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا [37] [ ما لا يعلمه إلا رب العالمين ] .

                  إذ كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي أمير المؤمنين [ رضي الله عنه ] [38] ، فحرق منهم طائفة [39] بالنار ، وطلب قتل بعضهم ، [ ففروا ] من سيفه البتار ، وتوعد بالجلد [40] طائفة مفترية [41] فيما عرف [42] عنه من الأخبار ، ( 8 ) [ إذ قد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة ] ( 8 ) [43] أنه قال على منبر الكوفة ، وقد أسمع من حضر : خير [ هذه ] [44] [ ص: 12 ] الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر ، وبذلك أجاب ابنه [45] [ محمد ابن الحنفية ] [46] فيما رواه البخاري في صحيحه [47] ، وغيره من علماء الملة الحنيفية .

                  [ ص: 13 ] ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليا ، [ أو كانوا [48] في ذلك الزمان ] لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر ، وعمر ، وإنما كان نزاعهم في [ تفضيل ] [49] علي ، وعثمان ، وهذا مما يعترف به [50] [ علماء الشيعة الأكابر من ] الأوائل ، والأواخر حتى ذكر مثل ذلك [51] أبو القاسم البلخي [52] . قال : سأل سائل شريك بن عبد الله بن [ أبي ] نمر [53] ، [ فقال له : [54] أيهما أفضل أبو بكر ، أو علي ؟ فقال له ] : أبو بكر ، فقال له السائل : أتقول هذا ، وأنت من الشيعة ؟ [55] فقال : نعم إنما الشيعي [ من قال مثل هذا [56] ، والله لقد ] رقى علي [57] هذا الأعواد ، فقال : ألا إن خير [58] هذه الأمة [ ص: 14 ] بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر ، أفكنا [59] نرد [ قوله ؟ أكنا [60] نكذبه ؟ والله ما كان ] كذابا ! ذكر هذا [ أبو القاسم ] البلخي . [61] في النقض على ابن الراوندي [62] اعتراضه [63] على الجاحظ [64] . نقله عنه القاضي [ عبد الجبار الهمداني [ ص: 15 ] في كتاب ] ( تثبيت النبوة ) [65] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية