أما بعد ، فإنه قد [1] أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتابا صنفه بعض [ شيوخ الرافضة في عصرنا منفقا ] [2] لهذه البضاعة ، يدعو به [3] إلى مذهب الرافضة الإمامية ، من أمكنه دعوته من ولاة الأمور ، [ وغيرهم أهل الجاهلية ، ممن قلت معرفتهم ] [4] بالعلم والدين ، ولم [ ص: 5 ] يعرفوا أصل دين المسلمين ، وأعانه على ذلك من عادتهم إعانة [ الرافضة من المتظاهرين بالإسلام ، من ] [5] أصناف الباطنية الملحدين
[6] الذين هم في الباطن من الصابئة [7] الفلاسفة الخارجين عن حقيقة [ ص: 6 ] [ متابعة [8] المرسلين الذين لا يوجبون اتباع ] [9] دين الإسلام [10] ، ولا يحرمون [ اتباع ] ما سواه [11] من الأديان ، بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب ، والسياسات [ التي يسوغ اتباعها ، وأن النبوة ] نوع من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا .
فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون [ إذا كثرت الجاهلية ، وأهلها ] ، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة ، والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة [12] الضلال ، [ ويكشف ما في خلافها من الإفك ] ، والشرك ، والمحال .
وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا ، بل هم يؤمنون ببعض أحوالها ، ويكفرون [ ببعض الأحوال [13] ، وهم متفاوتون فيما ] يؤمنون به ، ويكفرون به من تلك الخلال ، فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل [14] [ الجهالات .
[ ص: 7 ] والرافضة ، والجهمية ]
[15] هم الباب لهؤلاء الملحدين ، منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله ، وآيات [ كتابه المبين ، كما قرر ذلك ] رءوس [ الملحدة من ] القرامطة [16] الباطنية [17] ، وغيرهم من المنافقين .
وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من [ أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم ] عند من مال إليهم من الملوك ، وغيرهم ، وقد صنفه [18] للملك المعروف الذي سماه فيه [19] [ خدابنده [20] ، وطلبوا مني بيان ما في هذا ] [ ص: 8 ] الكتاب من الضلال ، وباطل الخطاب ، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين ، وبيان [ بطلان أقوال المفترين الملحدين ] .
فأخبرتهم أن هذا الكتاب ، وإن كان من أعلى [21] ما يقولونه في باب الحجة والدليل ، فالقوم [ من أضل الناس عن سواء السبيل ، فإن ] الأدلة إما نقلية ، وإما عقلية ، والقوم من أضل الناس في المنقول ، والمعقول في المذاهب [ والتقرير ، وهم من أشبه [22] الناس بمن ] قال الله فيهم : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) [ سورة الملك : 10 ] ، [ والقوم [23] من أكذب الناس في النقليات ، ومن أجهل [24] ] الناس في العقليات ، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار [25] أنه من [ الأباطيل ، ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار [26] ] المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل ، ولا يميزون في نقلة العلم ، ورواة [ الأحاديث [27] ] ، والأخبار [28] [ بين المعروف بالكذب ، أو ] الغلط ، أو الجهل [29] بما ينقل ، وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار [30] .
[ ص: 9 ] [ وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد ] ، وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات ، فتارة يتبعون المعتزلة ، والقدرية
[31] ، وتارة يتبعون المجسمة [32] ، [ والجبرية
[33] ، وهم من أجهل هذه الطوائف ] بالنظريات ، ولهذا كانوا عند عامة أهل العلم والدين من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين .
[ ص: 10 ] [ ومنهم من أدخل على الدين ] من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد ، فملاحدة الإسماعيلية [34] ، والنصيرية [35] ، وغيرهم من [ الباطنية [ ص: 11 ] المنافقين من بابهم [36] دخلوا ] ، وأعداء المسلمين من المشركين ، وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا ، واستولوا بهم على بلاد [ الإسلام ، وسبوا الحريم ، وأخذوا ] الأموال ، وسفكوا الدم الحرام ، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا [37] [ ما لا يعلمه إلا رب العالمين ] .
إذ كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي أمير المؤمنين [ رضي الله عنه ] [38] ، فحرق منهم طائفة [39] بالنار ، وطلب قتل بعضهم ، [ ففروا ] من سيفه البتار ، وتوعد بالجلد [40] طائفة مفترية [41] فيما عرف [42] عنه من الأخبار ، ( 8 ) [ إذ قد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة ] ( 8 ) [43] أنه قال على منبر الكوفة ، وقد أسمع من حضر : خير [ هذه ] [44] [ ص: 12 ] الأمة بعد نبيها ، ثم أبو بكر ، وبذلك أجاب ابنه عمر [45] [ ] محمد ابن الحنفية [46] فيما رواه في صحيحه البخاري [47] ، وغيره من علماء الملة الحنيفية .
[ ص: 13 ] ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا ، [ أو كانوا عليا [48] في ذلك الزمان ] لم يتنازعوا في تفضيل ، أبي بكر ، وإنما كان نزاعهم في [ تفضيل ] وعمر [49] ، علي ، وهذا مما يعترف به وعثمان [50] [ علماء الشيعة الأكابر من ] الأوائل ، والأواخر حتى ذكر مثل ذلك [51] أبو القاسم البلخي [52] . قال : سأل سائل شريك بن عبد الله بن [ أبي ] نمر [53] ، [ فقال له : [54] أيهما أفضل ، أو أبو بكر ؟ فقال له ] : علي ، فقال له السائل : أتقول هذا ، وأنت من أبو بكر الشيعة ؟ [55] فقال : نعم إنما الشيعي [ من قال مثل هذا [56] ، والله لقد ] رقى علي [57] هذا الأعواد ، فقال : ألا إن خير [58] هذه الأمة [ ص: 14 ] بعد نبيها ، ثم أبو بكر ، أفكنا عمر [59] نرد [ قوله ؟ أكنا [60] نكذبه ؟ والله ما كان ] كذابا ! ذكر هذا [ أبو القاسم ] البلخي . [61] في النقض على ابن الراوندي [62] اعتراضه [63] على الجاحظ [64] . نقله عنه القاضي [ عبد الجبار الهمداني [ ص: 15 ] في كتاب ] ( تثبيت النبوة ) [65] .