الوجه الثامن :
أن هذا الحديث الذي ذكره حجة على الرافضة ؛ لأنهم لا يعرفون إمام زمانهم ، فإنهم يدعون أنه الغائب المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل [ ص: 114 ] سرداب سامرا سنة ستين ، ومائتين ، أو نحوها ، ولم يميز بعد [1] ، بل كان عمره إما سنتين ، أو ثلاثا ، أو خمسا [2] ، أو نحو ذلك ، وله الآن - على قولهم - أكثر من أربعمائة وخمسين [3] سنة ، ولم ير له عين ، ولا أثر ، ولا سمع له حس ، ولا خبر .
لكن يقولون : إن هذا الشخص الذي لم يره أحد ، ولم يسمع له خبر هو إمام زمانهم ، ومعلوم أن هذا ليس هو معرفة بالإمام . فليس فيهم أحد يعرفه لا بعينه ، ولا صفته
ونظير هذا أن يكون لرجل قريب من بني عمه في الدنيا ، ولا يعرف شيئا من أحواله ، فهذا لا يعرف ابن عمه ، وكذلك المال الملتقط إذا عرف أن له مالكا ، ولم يعرف عينه لم يكن عارفا لصاحب اللقطة [4] ، بل هذا أعرف ؛ لأن هذا [5] يمكن ترتيب بعض أحكام الملك ، والنسب [ عليه ] [6] ، وأما المنتظر ، فلا يعرف له حال ينتفع به في الإمامة .
فإن معرفة الإمام الذي يخرج [7] الإنسان من الجاهلية هي المعرفة التي يحصل بها طاعة وجماعة ، خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية ، فإنهم لم يكن لهم إمام يجمعهم ، ولا جماعة تعصمهم ، والله [8] تعالى بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، وهداهم به إلى الطاعة ، والجماعة ، وهذا المنتظر لا . [ ص: 115 ] يحصل بمعرفته طاعة ، ولا جماعة ، فلم يعرف معرفة تخرج الإنسان من [ حال ] [9] الجاهلية ، بل المنتسبون إليه أعظم الطوائف جاهلية ، وأشبههم بالجاهلية ، وإن لم يدخلوا في طاعة غيرهم - إما طاعة كافر ، وإما [10] طاعة مسلم هو عندهم من الكفار ، أو النواصب [11] - لم ينتظم لهم مصلحة لكثرة اختلافهم ، وافتراقهم ، وخروجهم عن الطاعة ، والجماعة [12] .
وهذا يتبين [13] .
بالوجه [14]