فالمنكرون [1] لذلك يقولون في [2] ما هو من جنس قول أهل البهتان ، ويحرفون الكلم عن مواضعه [ كقولهم في قوله تعالى : ( تحريف القرآن ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) [ سورة الفتح : 2 ] أي : ذنب آدم وما تأخر من ذنب أمته [3] ، فإن هذا ونحوه من تحريف الكلم عن مواضعه ] [4] . أما أولا : فلأن آدم تاب وغفر [ له ] [5] ذنبه قبل أن يولد نوح وإبراهيم ، فكيف يقول [ له ] [6] : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ذنب آدم [7] ؟ وأما ثانيا : فلأن الله يقول : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ سورة الإسراء : 15 ] فكيف يضاف ذنب أحد إلى غيره ؟
وأما ثالثا : فلأن في الذي في الصحاح حديث الشفاعة [8] أنهم يأتون [ ص: 402 ] آدم فيقولون : أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته [9] ، اشفع لنا إلى ربك ، فيذكر خطيئته ، ويأتون نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى [10] فيقول لهم [11] : اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فكان سبب قبول شفاعته كمال عبوديته وكمال مغفرة الله له ، فلو كانت هذه لآدم لكان يشفع [12] لأهل الموقف .
وأما رابعا : فلأن هذه الآية لما نزلت قال أصحابه [ رضي الله عنهم ] [13] : يا رسول الله هذا لك فما لنا ؟ فأنزل الله تعالى : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) [ سورة الفتح : 4 ] فلو كان ما تأخر ذنوبهم لقال : هذه الآية [ لكم ] [14] .
وأما خامسا : فكيف يقول عاقل : إن الله غفر ذنوب أمته كلها ، وقد علم أن منهم من يدخل النار ؟ وإن خرج [15] منها بالشفاعة ؟ [ ص: 403 ] فهذا وأمثاله [ من خيار تأويلات ] المانعين [16] لما دل عليه القرآن من ، وزعمهم أنه لم يكن هناك ما يوجب [ توبة ] توبة الأنبياء من ذنوبهم واستغفارهم [17] ولا استغفارا ، ولا تفضل الله عليه بمحبته ، وفرحه بتوبتهم ومغفرته ورحمته لهم . [ فكيف بسائر تأويلاتهم التي فيها من تحريف القرآن وقول الباطل على الله ما ليس هذا موضع بسطه ] [18] .