الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فالمنكرون [1] لذلك يقولون في [2] تحريف القرآن ما هو من جنس قول أهل البهتان ، ويحرفون الكلم عن مواضعه [ كقولهم في قوله تعالى : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) [ سورة الفتح : 2 ] أي : ذنب آدم وما تأخر من ذنب أمته [3] ، فإن هذا ونحوه من تحريف الكلم عن مواضعه ] [4] . أما أولا : فلأن آدم تاب وغفر [ له ] [5] ذنبه قبل أن يولد نوح وإبراهيم ، فكيف يقول [ له ] [6] : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ذنب آدم [7] ؟ وأما ثانيا : فلأن الله يقول : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ سورة الإسراء : 15 ] فكيف يضاف ذنب أحد إلى غيره ؟

                  وأما ثالثا : فلأن في حديث الشفاعة الذي في الصحاح [8] أنهم يأتون [ ص: 402 ] آدم فيقولون : أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته [9] ، اشفع لنا إلى ربك ، فيذكر خطيئته ، ويأتون نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى [10] فيقول لهم [11] : اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فكان سبب قبول شفاعته كمال عبوديته وكمال مغفرة الله له ، فلو كانت هذه لآدم لكان يشفع [12] لأهل الموقف .

                  وأما رابعا : فلأن هذه الآية لما نزلت قال أصحابه [ رضي الله عنهم ] [13] : يا رسول الله هذا لك فما لنا ؟ فأنزل الله تعالى : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) [ سورة الفتح : 4 ] فلو كان ما تأخر ذنوبهم لقال : هذه الآية [ لكم ] [14] .

                  وأما خامسا : فكيف يقول عاقل : إن الله غفر ذنوب أمته كلها ، وقد علم أن منهم من يدخل النار ؟ وإن خرج [15] منها بالشفاعة ؟ [ ص: 403 ] فهذا وأمثاله [ من خيار تأويلات ] المانعين [16] لما دل عليه القرآن من توبة الأنبياء من ذنوبهم واستغفارهم ، وزعمهم أنه لم يكن هناك ما يوجب [ توبة ] [17] ولا استغفارا ، ولا تفضل الله عليه بمحبته ، وفرحه بتوبتهم ومغفرته ورحمته لهم . [ فكيف بسائر تأويلاتهم التي فيها من تحريف القرآن وقول الباطل على الله ما ليس هذا موضع بسطه ] [18] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية