وكذلك أمرهم والاقتداء بأفعالهم الغلاة في العصمة يعرضون عما أمروا به من طاعة [1] . إلى ما نهوا عنه من الغلو والإشراك بهم فيتخذونهم أربابا من دون الله يستغيثون بهم في مغيبهم وبعد مماتهم وعند قبورهم ، ويدخلون فيما حرمه الله تعالى ورسوله من العبادات الشركية التي ضاهوا بها النصارى .
وقد ثبت في الصحيح اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " [ ص: 436 ] يحذر ما فعلوه . قالت رضي الله عنها : ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال عند موته : " لعن الله [2] \ 472 . .
وفي الصحيحين أيضا أنه الحبشة وذكر [ ص: 436 ] حسنها وتصاوير فيها فقال : " إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " ذكر له في مرضه كنيسة بأرض [3] . .
وفي صحيح عن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال قبل أن يموت بخمس : " جندب " ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ، وإني أبرأ إلى كل خليل من خليله ، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله ، يعني نفسه [4] . .
وفي السنن عنه أنه قال : " " لا تتخذوا قبري عيدا ، وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني [5] . .
وفي الموطأ وغيره أنه قال : " " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد [6] ) . .
وفي المسند وصحيح أبي حاتم عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ابن مسعود " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد [7] ) . .
[ ص: 437 ] وفي صحيح مسلم أبي هياج الأسدي قال : قال لي رضي الله عنه : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : علي بن أبي طالب أمرني أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته عن [8] . ، ، وأرسل علي بن أبي طالب في خلافته من يفعل مثل ما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسوي القبور المشرفة ويطمس التماثيل علي ، فإن هذه وهذه فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال الله تعالى : ( من أسباب الشرك وعبادة الأوثان لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ) [ سورة نوح : 23 ، 24 ] . قال غير واحد من السلف : كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح ، فلما ماتوا وعكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم من دون الله [9] . .
المحرمة في دين الإسلام ، وإنما أمر الله أن يقصد لعبادته وحده لا شريك له المساجد لا المشاهد . فالمشاهد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين من العامة ومن أهل البيت كلها من البدع المحدثة
قال الله تعالى : ( قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل [ ص: 438 ] مسجد وادعوه مخلصين له الدين ) [ سورة الأعراف : 29 ] ، وقال تعالى : " ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) [ سورة التوبة : 17 - 18 ] ، وقال تعالى : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) [ سورة الجن : 18 ] ، ومثل هذا في القرآن كثير .
: زيارة أهل التوحيد المتبعين للرسل ، وزيارة أهل البدع والشرك . وزيارة القبور على وجهين
فالأولى مقصودها أن يسلم على الميت ويدعى له ، وزيارة قبره بمنزلة الصلاة عليه إذا مات ، يقصد بها الدعاء له ، والله سبحانه يثيب هذا الداعي له عند قبره كما يثيب الداعي إذا صلى عليه وهو على سريره .
والثانية مقصودها أن يطلب منه الحوائج ، أو يقسم على الله ، أو يظن أن قبره أقرب إلى الإجابة ، فهذا كله من البدع المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، ولم يكن شيء من هذا على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، بل كان المسلمون لما فتحوا أرض دعاء الله عند الشام والعراق وغيرهما إذا وجدوا قبرا يقصد الدعاء عنده غيبوه ، كما وجدوا بتستر قبر دانيال فحفروا له بالنهار ثلاثة عشر قبرا ودفنوه بالليل في واحد منها ، وكان مكشوفا وكان الكفار يستسقون به ، فغيبه المسلمون لأن هذا من الشرك انظر الخبر وتعليقنا عليه 1 \ 480 - 481 . .
[ ص: 439 ] وفي صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مسلم " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها [10] . ، فنهى عن ، وفي السنن والمسند قال : " الصلاة إليها لما فيه من مشابهة المشركين الذين يسجدون لها " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام [11] . .
، كما نهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان ، والمشركون يسجدون لها حينئذ ، فنهى عن قصد الصلاة في هذا الوقت لما في ذلك من المشابهة لهم في الصورة وإن اختلف القصد . والسبب الذي من أجله نهي عن الصلاة في المقبرة في أصح قولي العلماء هو سد ذريعة الشرك
كذلك نهى عن لله لما فيه من مشابهة من يتخذ القبور مساجد ، وأن المصلى لله لا يقصد ذلك سدا للذريعة . فأما إذا قصد ليصلي هناك ليدعو الصلاة في المقبرة [12] . عند القبور ظنا أن هذا الدعاء هناك أجوب ، فهذا ضلال بإجماع المسلمين ، وهو مما حرمه الله ورسوله .
وأبلغ من ذلك أن يدعى ويقسم على الله بالميت ، وأبلغ من ذلك أن [ ص: 440 ] يسأل الله به ونحو ذلك ، وأبلغ من ذلك أن يسافر إليه من مكان بعيد لهذا القصد ، أو ينذر له أو لمن عنده دهن أو شمع أو ذهب أو فضة أو قناديل أو ستور ، فهذا كله من نذور أهل الشرك ولا يجوز مثل هذا النذر باتفاق المسلمين ولا الوفاء به ، كما ثبت في صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " البخاري " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه [13] . .
ولا يجوز أن ينذر أحد إلا طاعة ، ولا يجوز أن ينذرها إلا لله ، فمن نذر لغير الله فهو مشرك ، كمن صام لغير الله وسجد لغير الله ، فهو مشرك ، بل لو سافر إلى مسجد لله غير المساجد الثلاثة ليعبد الله فيها كان عاصيا لله ورسوله ، فكيف إذا سافر إلى غير الثلاثة ليشرك بالله ! وفي الصحيحين من حديث ومن حج إلى قبر من القبور أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " وأبي هريرة " لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا [14] ) . .
[ ص: 441 ] ولهذا قال غير واحد من العلماء : إن السفر لزيارة المشاهد سفر معصية ، ومن لم يجوز منهم من لم يجوزه ، لا سيما إذا سمي ذلك حجا وصنفت فيه مصنفات وسميت مناسك حج المشاهد . ومن هؤلاء من يفضل قصد المشاهد وحجها والسفر إليها على حج بيت الله الحرام الذي فرض الله حجه على الناس . القصر في سفر المعصية
وهذا أمر قد وقع فيه الغلاة في المشايخ والأئمة المنتسبين إلى السنة وإلى الشيعة ، حتى إن الواحد من هؤلاء في بيته يصلي لله الصلاة المفروضة بقلب غافل لاه ، ويقرأ القرآن بلا تدبر ولا خشوع ، وإذا زار قبر من يغلو فيه بكى وخشع ، واستكان وتضرع ، وانتحب ودمع ، كما يقع إذا سمع المكاء والتصدية الذي كان للمشركين عند البيت .
وكثير من هؤلاء لا يحج لأجل ما أمر الله به ورسوله من حج البيت العتيق ، بل لقصد زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يزور شيوخه وأئمته ، ونحو ذلك .
والأحاديث المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زيارة قبره ، كلها ضعيفة بل موضوعة ، فلم يخرج أهل الصحيحين والسنن المشهورة شيئا منها ، ولا استدل بشيء منها أحد من أئمة المسلمين ، وإنما اعتمدوا على ما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أبو داود " ما من رجل [ ص: 442 ] يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام [15] . .
وقد ذكر هذا عاما مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينه فقال : " ابن عبد البر ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام " [16] . .
وفي وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : النسائي " " إن الله وكل بقبري ملائكة تبلغني عن أمتي السلام [17] ) . .
وفي السنن سنن وغيره - عن أبي داود أوس الثقفي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة [ ص: 443 ] علي " ; قالوا : كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ - أي قد صرت رميما - فقال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء [18] . .
فهذا المعروف عنه في السنن : هو الصلاة والسلام عليه كما أمر الله تعالى بذلك في كتابه بقوله : ( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) [ سورة الأحزاب : 56 ] ، وقد ثبت في الصحيح أنه قال : " " من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا [19] .
لكن إذا صلى وسلم عليه من بعيد بلغ ذلك ، وإذا سلم عليه من قريب سمع هو سلام المسلم عليه .
ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم إذا أتى أحدهم قبره سلم عليه وعلى صاحبيه ، كما كان يقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا ابن عمر ، السلام عليك يا أبه ، ولم يكن أحد منهم يقف يدعو لنفسه مستقبل القبر . أبا بكر
[ ص: 444 ] ولهذا اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه إذا سلم عليه وأراد أن يدعو استقبل القبلة ودعا ولا يدعو مستقبل القبر . ثم قالت طائفة : إذا سلم عليه يستقبل القبلة أيضا ويستدير القبر ويجعله عن يساره ، وقال الأكثرون - كأبي حنيفة مالك والشافعي وغيرهم - بل عند السلام يستقبل القبر ويستدبر الكعبة ، وأما عند الدعاء فإنما يدعو الله وحده كما يصلي لله وحده فيستقبل القبلة ، كما يستقبل القبلة إذا دعا بعرفة وأحمد والصفا والمروة وعند الجمرات .
وكره وغيره أن يقول القائل : زرت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك أن هذا اللفظ قد يراد به ما هو منهي عنه من الزيارة البدعية كالزيارة لطلب الحوائج منه ، فكرهوا أن يتكلم بلفظ يتضمن شركا أحدثه الناس في هذا اللفظ من المعاني الفاسدة ، وإن كان لفظ الزيارة إذا عني به الزيارة الشرعية لا بأس به . وذكر مالك بن أنس أنه لم ير أحدا من السلف يقف عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لنفسه وغير هذا من البدع ، وقال : إنما يصلح آخر هذه الأمة ما أصلح أولها . مالك قد أدرك التابعين ومالك بالمدينة وغيرها ، وهم كانوا أعلم خلق الله إذ ذاك بما يجب من حق الله وحق رسوله .
فإذا كان هذا [20] في حق خير خلق الله ، وأكرمهم على الله ، وسيد ولد آدم ، وصاحب لواء الحمد الذي آدم ومن دونه تحت لوائه يوم القيامة ، وهو خطيب الأنبياء إذا وفدوا على ربهم ، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا ، وهو صاحب المقام المحمود يوم القيامة الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، [ ص: 445 ] وهو خاتم النبيين وأفضل المرسلين ، أرسله الله بأفضل شريعة إلى خير أمة أخرجت للناس ، وأنزل عليه أفضل كتبه وجعله مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ، الذي هدى الله به الخلق وأخرجهم به من الظلمات إلى النور وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد ، وهو الذي فرق الله به بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال والغي والرشاد وطريق الجنة وطريق النار ، وهو الذي قسم الله به عباده إلى شقي وسعيد : فالسعيد من آمن به وأطاعه والشقي من كذبه وعصاه ، وعلق به النجاة والسعادة فلا سبب ينجو به العبد من عذاب الله وينال السعادة في الدنيا والآخرة ممن بلغته دعوته وقامت عليه الحجة برسالته إلا من آمن به واتبع النور الذي أنزل معه .
قال تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) [ سورة الأعراف : 156 ، 157 ] .
وقد بين الله على لسانه ما يستحقه الله من الحقوق التي لا تصلح إلا لله وما يستحقه الرسول من الحقوق ، فقال تعالى : ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ) [ سورة الفتح : 8 ، 9 ] ، فالإيمان بالله والرسول ، والتعزير والتوقير [ ص: 446 ] للرسول ، والتسبيح بكرة وأصيلا لله وحده ; قال تعالى : ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) [ سورة النور : 52 ] ، فجعل الطاعة لله والرسول ، والخشية والتقوى لله وحده .
وقال تعالى : ( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون ) [ سورة التوبة : 59 ] ، فجعل الإيتاء لله والرسول لأن المراد به الإيتاء الشرعي وهو ما أباحه الله على لسان رسوله بخلاف من آتاه الملك خلقا وقدرا ولم يطع الله ورسوله فيه ، فإن ذلك مذموم مستحق للعقاب وإن كان قد آتاه الله ذلك خلقا وقدرا ، وأما من رضي بما آتاه الله ورسوله فهو ممن رضي بما أحله الله ورسوله ، ولم يطلب ما حرم عليه ، كالذين قال الله فيهم : ( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) ، ثم قال : ( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله ) [ سورة التوبة : 58 ، 59 ] ، ولم يقل : ورسوله ، لأن الله وحده كاف عبده ، كما قال الله تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) [ سورة الزمر : 36 ] ، وقال : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) [ سورة آل عمران : 1173 ] ، ثم دعاهم إلى أن يقولوا : ( سيؤتينا الله من فضله ورسوله ) [ سورة التوبة : 59 ] ، فذكر أن الرسول ( يؤتيهم ) [21] ، وأن ذلك من فضل الله وحده ، لم يقل : من فضله وفضل رسوله ، ثم ذكر قولهم : ( إنا إلى الله راغبون ) [ سورة التوبة : 59 ] ، ولم [ ص: 447 ] يقل : ورسوله ، كما قال في الآية الأخرى : ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) [ سورة الشرح : 7 ، 8 ] .
وأما ما في القرآن من ذكر عبادته وحده ، ودعائه وحده ، والاستعانة به وحده ، والخوف منه وحده ، فكثير كقوله : ( ولا يخشون أحدا إلا الله ) [ سورة الأحزاب : 39 ] ، وقوله : ( فإياي فارهبون ) [ سورة النحل : 51 ] ، و ( وإياي فاتقون ) [ سورة البقرة : 175 ] ، وقوله : ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) [ سورة آل عمران : 175 ] ، وكذلك قوله : ( فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين ) [ سورة الشعراء : 213 ] ، ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) [ سورة النساء : 36 ] .
وأما المحبة فهي لله ورسوله ، والإرضاء لله والرسول ، كقوله تعالى : ( أحب إليكم من الله ورسوله ) [ سورة التوبة : 24 ] ، وقوله : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) [ سورة التوبة : 62 ] ، فالرسول علينا أن نحبه وعلينا أن نرضيه ، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : " " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين [22] . ; وكذلك ، قال تعالى : ( الطاعة لله والرسول من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [ سورة النساء : 80 ] .
والعبادات بأسرها : الصلاة والسجود والطواف والدعاء والصدقة [ ص: 448 ] والنسك والذي لا يصلح إلا لله ولم يخص الله بقعة تفعل الصلاة فيها إلا المساجد : لا مقبرة ولا مشهدا ولا مغارة ولا مقام نبي ولا غير ذلك ، ولا خص بقعة غير المساجد بالذكر والدعاء إلا مشاعر الحج : لا قبر نبي ولا صالح ولا مغارة ولا غير ذلك ، ولا يقبل على وجه الأرض شيء عبادة لله إلا الحجر الأسود ولا يتمسح إلا به وبالركن اليماني ، ولا يستلم الركنان الشاميان وهما من البيت فكيف غيرهما ؟ وقد طاف ابن عباس ، فجعل ومعاوية يستلم الأركان الأربعة ، فقال معاوية رضي الله عنه : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس . فقال لم يستلم إلا الركنين اليمانيين : ليس من البيت شيء مهجورا ، فقال معاوية رضي الله عنه : ابن عباس لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، فقال : صدقت معاوية [23] . ، ورجع إلى قوله .
: أحدهما : أن لا يعبد إلا الله وحده - لا نعبد من دونه شيئا : لا ملكا ولا نبيا ولا صالحا ولا شيئا من المخلوقات ; والثاني أن نعبده بما أمرنا به على لسان رسوله - لا نعبده ببدع لم يشرعها الله ورسوله . فالعبادات مبناها على أصلين
والعبادات تتضمن كمال الحب وكمال الخضوع ، فمن أحب شيئا من المخلوقات كما يحب الخالق فهو مشرك ، قال الله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ) [ ص: 449 ] [ سورة البقرة : 165 ] ، وفي الصحيحين رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " ، قلت : ثم أي ؟ قال : " ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " . قلت : ثم أي ؟ قال ثم أن تزاني بحليلة جارك " . فأنزل الله تصديق ذلك : ابن مسعود والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون [ سورة الفرقان : 68 ] عن [24] 87 . .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بالعبادة في المساجد وذكر فضل الصلاة في الجماعة ورغب في ذلك ، ولم يأمر قط بقصد مكان لأجل نبي ولا صالح ، بل نهى عن اتخاذها مساجد ، فلا يجوز أن تقصد للصلاة فيها والدعاء وهذا كله لتحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله ، فقد قال بعض الناس يا رسول الله ربنا قريب فنناجيه أو بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله تعالى : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون [ سورة البقرة : 168 ] [25] . .
[ ص: 4450 ] وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد [26] . ، وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ حتى يطلع الفجر [27] . .
فالرسل صلوات الله عليهم وسلامه أمروا الناس بعبادة الله وحده لا شريك له وسؤاله ودعائه ، ونهوا أن يدعى أحد من دون الله تعالى . وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " أحب البقاع إلى الله تعالى المساجد وأبغضها إلى الله تعالى الأسواق [28] . ، يعني البقاع التي كانت تكون في مدينته ونحوها ، ولم يكن بالمدينة لا حانة ولا كنيسة ولا موضع شرك وهذه المواضع شر من الأسواق .
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " ; هذا إذا بني المسجد [ ص: 451 ] المسمى مشهدا على قبر صحيح ، فكيف وكثير من هذه المشاهد المبنية على ( قبور ) شرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد [29] . الأنبياء والصالحين من الصحابة والقرابة وغيرهم كذب ؟ وكثير منها مختلف فيه لا يتوثق فيه بنقل ينقل في ذلك مما يوجد بالشام والعراق وخراسان وغير ذلك ، والسبب في خفائها وكثرة الخلاف فيها أن الله حفظ الدين الذي بعث به رسوله بقوله : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ سورة الحجر : 9 ] ، واتخاذ هذه معابد ليس من الدين ، فلهذا لم يحفظ هذه المقامات والمشاهد ، بل أو إلى ( أخبار إما ) مبني أمرهم على الجهل والضلال ، وإنما يستند أهلها إلى منامات تكون من الشياطين [30] . مكذوبة ، وإما منقولة عمن ليس قوله حجة .
والشياطين تضل أهلها كما تضل عباد الأصنام ، فتارة تكلمهم ، وتارة تتراءى لهم ، وتارة تقضي بعض حوائجهم ، وتارة تصيح وتحرك السلاسل التي فيها القناديل وتطفئ القناديل ، وتارة تفعل أمورا أخر كما تفعل عبادة الأوثان التي كانت للعرب ، وهي اليوم تفعل مثل ذلك في أوثان الترك والصين والسودان وغيرهم فيظنون أن ذلك هو الميت أو ملك صور على صورته ، وإنما هو شيطان أضلهم بالشرك ، كما يجري ذلك لعباد الأصنام المصورة على صورة الآدميين ، وهذا باب واسع ليس هذا موضع استقصائه ] [31] . .