الثالث : أن يقال : خير من الأخذ بما ينقله من يعرف بكثرة الكذب عمن يصيب ويخطئ نقل غير مصدق القول بالرأي والاجتهاد والقياس والاستحسان [1] عن قائل غير معصوم ، ولا يشك عاقل أن رجوع مثل مالك وابن أبي ذئب [2] وابن الماجشون [3] [4] والأوزاعي [5] [ ص: 471 ] سبقت ترجمته 2 . والثوري وابن أبي ليلى [6] وشريك [7] وأبي حنيفة وأبي يوسف [8] ومحمد [ بن الحسن ] [9] وزفر [10] والحسن بن زياد اللؤلؤي [11] والشافعي والبويطي [12] والمزني [13] [ وأحمد بن حنبل وإسحاق بن [ ص: 472 ] راهويه ] [14] وأبي داود السجستاني [15] والأثرم [16] وإبراهيم الحربي [17] . والبخاري وعثمان بن سعيد الدارمي [18] وأبي بكر بن خزيمة [19] ومحمد بن جرير الطبري [20] ومحمد بن نصر المروزي [21] وغير هؤلاء إلى اجتهادهم واعتبارهم مثل أن يعلموا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه ويجتهدوا في تحقيق مناط الأحكام وتنقيحها وتخريجها - خير لهم [22] من أن يتمسكوا بنقل الروافض عن العسكريين وأمثالهما ، فإن الواحد من هؤلاء لأعلم بدين الله ورسوله من العسكريين [23] أنفسهما ، فلو أفتاه أحدهما بفتيا [ ص: 473 ] كان رجوعه [ إلى اجتهاده أولى من رجوعه ] [24] إلى فتيا أحدهما ، بل ذلك هو الواجب عليه ، فكيف إذا كان [ ذلك ] [25] نقلا عنهما من مثل الرافضة ؟ ! والواجب على مثل العسكريين وأمثالهما أن يتعلموا من الواحد من هؤلاء .
ومن المعلوم أن علي بن الحسين وأبا جعفر [ محمد بن علي وابنه ] [26] جعفر بن محمد [27] كانوا هم العلماء الفضلاء ، وأن من بعدهم [ من الاثني عشر ] [28] لم يعرف عنه من العلم ما عرف من [29] هؤلاء ، ومع هذا فكانوا يتعلمون من علماء زمانهم ويرجعون إليهم [ حتى قال أبو عمران بن الأشيب [30] القاضي البغدادي : أخبرنا أصحابنا أنه ذكر ربيعة بن أبي عبد الرحمن
[31] جعفر بن محمد [32] وأنه تعلم العلوم ، فقال ربيعة : إنه [ ص: 474 ] اشترى حائطا من حيطان المدينة فبعث إلي حتى أكتب له شرطا في ابتياعه . نقله عنه محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري [33] في كتاب " إثبات إمامة " ] الصديق [34] .
فأما تحقيق المناط فهو متفق عليه بين المسلمين ، وهو أن ينص الله على تعليق الحكم بمعنى عام كلي ، فينظر في ثبوته في آحاد الصور [35] [ أو أنواع ذلك العام ] [36] ، كما نص على اعتبار العدالة وعلى استقبال الكعبة [37] [ وعلى تحريم الخمر والميسر وعلى حكم اليمين ( 6 وعلى تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير 6 ) [38] ونحو ذلك ، فينظر في الشراب المتنازع فيه : هل هو من الخمر أم لا [ كالنبيذ المسكر ] [39] ، وفي اللعب [40] المتنازع فيه كالنرد والشطرنج هل هو من الميسر أم لا ؟ وفي اليمين المتنازع فيها كالحلف بالحج وصدقة المال والعتق والطلاق والحرام والظهار : هل هي داخلة في الأيمان فتكفر ، أم في العقود المحلوف بها فيلزم ما حلف [ ص: 475 ] به ؟ [41] أم لا يدخل لا في هذا ولا في هذا فلا يلزمه شيء بحال ؟ [42] كما ينظر فيما وقعت فيه دم أو ميتة أو لحم خنزير من [43] الماء والمائعات ولم يتغير لونه ولا طعمه ، بل استهلت النجاسات فيه واستحالت ، أو رفعت منه واستحال فيه ما خالطه من أجزائها ، فينظر في ذلك : هل يدخل في مسمى الماء المذكور في القرآن والسنة ، أو في مسمى الميتة والدم ولحم الخنزير ؟
وأما تنقيح المناط وتخريجه ففيهما نزاع . وهذا الإمامي لم يذكر أصلا حجة على بطلان الاجتهاد والرأي والقياس ليرد ذلك ، بل ذكر أن طائفته لا تقول بذلك ، وهذا يدل على جهلهم بالاستنباط والاستخراج ، وعدم معرفتهم بما في الشريعة من الحكم والمعاني ، وعدم معرفتهم بالجمع بين المتماثلين والفرق بين المختلفين ، وهم بمعاني القرآن وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - جهال أيضا ، . فهم جهال بأصول الشرع : الكتاب والسنة والإجماع ، بمنصوص ذلك ومستنبطه
وإنما عمدتهم على نقل عمن يقلدونه ، وهذا حال الجهال المقلدين لآحاد العلماء المستدلين ، ثم من سواهم ممن يقلد العلماء - كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم - له معرفة بأقوال هؤلاء ، وبطرق يميزون بها بين صحيح أقوالهم وضعيفها ومعرفة بأدلتهم ومآخذهم . وأبي حنيفة
الرافضة فلا يميزون بين ما يصح نقله عن أئمتهم وما لا يصح ، [ ص: 476 ] ولا يعرفون أدلتهم ومآخذهم ، بل هم من أهل التقليد بما يقلدون فيه ، وهم يعيبون هؤلاء الجمهور بالاختلاف ، وفيما ينقلونه عمن يقلدونه من الاختلاف ، وفيما لا ينقلونه عمن يقلدونه من الاختلاف ما لا يكاد يحصى ] وأما [44] .