الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الثالث : أن يقال : القول بالرأي والاجتهاد والقياس والاستحسان خير من الأخذ بما ينقله من يعرف بكثرة الكذب عمن يصيب ويخطئ نقل غير مصدق [1] عن قائل غير معصوم ، ولا يشك عاقل أن رجوع مثل مالك وابن أبي ذئب [2] وابن الماجشون [3] [4] والأوزاعي [5] [ ص: 471 ] والثوري سبقت ترجمته 2 . وابن أبي ليلى [6] وشريك [7] وأبي حنيفة وأبي يوسف [8] ومحمد [ بن الحسن ] [9] وزفر [10] والحسن بن زياد اللؤلؤي [11] والشافعي والبويطي [12] والمزني [13] وأحمد بن حنبل [ وإسحاق بن [ ص: 472 ] راهويه ] [14] وأبي داود السجستاني [15] والأثرم [16] وإبراهيم الحربي [17] . والبخاري وعثمان بن سعيد الدارمي [18] وأبي بكر بن خزيمة [19] ومحمد بن جرير الطبري [20] ومحمد بن نصر المروزي [21] وغير هؤلاء إلى اجتهادهم واعتبارهم مثل أن يعلموا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه ويجتهدوا في تحقيق مناط الأحكام وتنقيحها وتخريجها - خير لهم [22] من أن يتمسكوا بنقل الروافض عن العسكريين وأمثالهما ، فإن الواحد من هؤلاء لأعلم بدين الله ورسوله من العسكريين [23] أنفسهما ، فلو أفتاه أحدهما بفتيا [ ص: 473 ] كان رجوعه [ إلى اجتهاده أولى من رجوعه ] [24] إلى فتيا أحدهما ، بل ذلك هو الواجب عليه ، فكيف إذا كان [ ذلك ] [25] نقلا عنهما من مثل الرافضة ؟ ! والواجب على مثل العسكريين وأمثالهما أن يتعلموا من الواحد من هؤلاء .

                  ومن المعلوم أن علي بن الحسين وأبا جعفر [ محمد بن علي وابنه ] [26] جعفر بن محمد [27] كانوا هم العلماء الفضلاء ، وأن من بعدهم [ من الاثني عشر ] [28] لم يعرف عنه من العلم ما عرف من [29] هؤلاء ، ومع هذا فكانوا يتعلمون من علماء زمانهم ويرجعون إليهم [ حتى قال أبو عمران بن الأشيب [30] القاضي البغدادي : أخبرنا أصحابنا أنه ذكر ربيعة بن أبي عبد الرحمن

                  [31] جعفر بن محمد [32] وأنه تعلم العلوم ، فقال ربيعة : إنه [ ص: 474 ] اشترى حائطا من حيطان المدينة فبعث إلي حتى أكتب له شرطا في ابتياعه . نقله عنه محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري [33] في كتاب " إثبات إمامة الصديق " ] [34] .

                  فأما تحقيق المناط فهو متفق عليه بين المسلمين ، وهو أن ينص الله على تعليق الحكم بمعنى عام كلي ، فينظر في ثبوته في آحاد الصور [35] [ أو أنواع ذلك العام ] [36] ، كما نص على اعتبار العدالة وعلى استقبال الكعبة [37] [ وعلى تحريم الخمر والميسر وعلى حكم اليمين ( 6 وعلى تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير 6 ) [38] ونحو ذلك ، فينظر في الشراب المتنازع فيه : هل هو من الخمر أم لا [ كالنبيذ المسكر ] [39] ، وفي اللعب [40] المتنازع فيه كالنرد والشطرنج هل هو من الميسر أم لا ؟ وفي اليمين المتنازع فيها كالحلف بالحج وصدقة المال والعتق والطلاق والحرام والظهار : هل هي داخلة في الأيمان فتكفر ، أم في العقود المحلوف بها فيلزم ما حلف [ ص: 475 ] به ؟ [41] أم لا يدخل لا في هذا ولا في هذا فلا يلزمه شيء بحال ؟ [42] كما ينظر فيما وقعت فيه دم أو ميتة أو لحم خنزير من [43] الماء والمائعات ولم يتغير لونه ولا طعمه ، بل استهلت النجاسات فيه واستحالت ، أو رفعت منه واستحال فيه ما خالطه من أجزائها ، فينظر في ذلك : هل يدخل في مسمى الماء المذكور في القرآن والسنة ، أو في مسمى الميتة والدم ولحم الخنزير ؟

                  وأما تنقيح المناط وتخريجه ففيهما نزاع . وهذا الإمامي لم يذكر أصلا حجة على بطلان الاجتهاد والرأي والقياس ليرد ذلك ، بل ذكر أن طائفته لا تقول بذلك ، وهذا يدل على جهلهم بالاستنباط والاستخراج ، وعدم معرفتهم بما في الشريعة من الحكم والمعاني ، وعدم معرفتهم بالجمع بين المتماثلين والفرق بين المختلفين ، وهم بمعاني القرآن وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - جهال أيضا ، فهم جهال بأصول الشرع : الكتاب والسنة والإجماع ، بمنصوص ذلك ومستنبطه .

                  وإنما عمدتهم على نقل عمن يقلدونه ، وهذا حال الجهال المقلدين لآحاد العلماء المستدلين ، ثم من سواهم ممن يقلد العلماء - كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم - له معرفة بأقوال هؤلاء ، وبطرق يميزون بها بين صحيح أقوالهم وضعيفها ومعرفة بأدلتهم ومآخذهم .

                  وأما الرافضة فلا يميزون بين ما يصح نقله عن أئمتهم وما لا يصح ، [ ص: 476 ] ولا يعرفون أدلتهم ومآخذهم ، بل هم من أهل التقليد بما يقلدون فيه ، وهم يعيبون هؤلاء الجمهور بالاختلاف ، وفيما ينقلونه عمن يقلدونه من الاختلاف ، وفيما لا ينقلونه عمن يقلدونه من الاختلاف ما لا يكاد يحصى ] [44] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية