( فصل ) ] [1] وهذا الموضع أشكل على كثير من الناس لفظا ومعنى . أما اللفظ فتنازعوا في الأسماء التي تسمى الله بها وتسمى بها [2] عباده كالموجود والحي والعليم والقدير  ، فقال بعضهم : [3] هي مقولة بالاشتراك اللفظي [4] حذرا من إثبات قدر مشترك بينهما ، لأنهما إذا اشتركا في مسمى الوجود لزم أن يمتاز الواجب عن الممكن بشيء آخر فيكون مركبا . وهذا قول بعض المتأخرين  كالشهرستاني  والرازي  في أحد قوليهما ، وكالآمدي  مع توقفه أحيانا [5]  . وقد ذكر الرازي  والآمدي  ومن اتبعهما هذا القول عن  الأشعري  وأبي الحسين البصري  وهو غلط عليهما ، وإنما ذكروا [6] ذلك  [ ص: 582 ] لأنهما لا يقولان بالأحوال ، ويقولان : وجود كل شيء عين حقيقته ، فظنوا أن من قال : وجود كل شيء عين حقيقته يلزمه أن يقول : إن [7] لفظ الوجود يقال بالاشتراك اللفظي عليهما ، لأنه لو كان متواطئا لكان بينهما قدر مشترك [ فيمتاز أحدهما عن الآخر بخصوص حقيقته ، والمشترك ليس هو المميز ، فلا يكون الوجود المشترك ] [8] هو الحقيقة المميزة . والرازي  والآمدي  ونحوهما ظنوا أنه ليس في المسألة إلا هذا القول وقول من يقول بأن اللفظ متواطئ ( 3 ويقول : وجوده زائد على حقيقته ، كما هو قول أبي هاشم  وأتباعه من المعتزلة  والشيعة  ، أو قول  ابن سينا  بأنه متواطئ 3 ) [9]  [ أو مشكك ] [10] مع أنه [11] الوجود المقيد [ بسلب كل أمر ثبوتي عنه ] [12]  . 
وذهب من ذهب من القرامطة  الباطنية وغلاة الجهمية  إلى أن هذه الأسماء حقيقة في العبد مجاز في الرب . [ قالوا : هذا في اسم الحي ] [13] ونحوه ، [ حتى في اسم الشيء كان  الجهم  وأتباعه لا يسمونه شيئا [14] ، وقيل عنه إنه لم يسمه إلا بالقادر الفاعل لأن العبد عنده ليس بقادر ولا  [ ص: 583 ] فاعل ، فلا يسميه باسم يسمى به العبد [15]  ] [16]  . وذهب أبو العباس الناشئ  [17] إلى ضد ذلك فقال : إنها حقيقة للرب مجاز للعبد [18]  . 
وزعم  ابن حزم  أن أسماء الله تعالى الحسنى لا تدل على المعاني ، فلا يدل عليم على علم ، ولا قدير على قدرة ، بل هي أعلام  [ ص: 584 ] محضة [19]  . وهذا يشبه قول من يقول بأنها تقال بالاشتراك اللفظي [20]  . 
وأصل غلط هؤلاء شيئان : إما نفي الصفات والغلو في نفي التشبيه ، وإما ظن ثبوت الكليات المشتركة في الخارج . 
فالأول هو مأخذ الجهمية  ومن وافقهم على نفي الصفات . قالوا : إذا قلنا عليم يدل على علم ، وقدير يدل على قدرة لزم من إثبات الأسماء إثبات الصفات ، وهذا مأخذ  ابن حزم  ، فإنه من نفاة الصفات [21] مع تعظيمه للحديث والسنة  والإمام أحمد  ، ودعواه أن الذي يقوله : في ذلك هو مذهب  أحمد  وغيره . 
وغلطه في ذلك بسبب أنه أخذ أشياء [22] من أقوال الفلاسفة والمعتزلة  عن بعض شيوخه ، ولم يتفق له من يبين له خطأهم [23] ، ونقل المنطق بالإسناد عن متى الترجمان [24]  . وكذلك قالوا : إذا قلنا : موجود وموجود ، وحي وحي لزم التشبيه ، فهذا أصل غلط هؤلاء . 
 [ ص: 585 ] وأما الأصل الثاني فمنه غلط الرازي  [25] ونحوه ، فإنه ظن أنه إذا [26] كان هذا موجودا وهذا موجودا ، والوجود شامل لهما ، كان بينهما وجود مشترك كلي في الخارج ، فلا بد من مميز يميز هذا عن هذا ، والمميز إنما هو الحقيقة ، فيجب أن يكون هناك وجود مشترك وحقيقة مميزة . 
ثم إن [27] هؤلاء يتناقضون فيجعلون الوجود ينقسم [28] إلى واجب وممكن أو قديم [29] ومحدث ، كما تنقسم سائر الأسماء العامة الكلية . لا كما تنقسم الألفاظ المشتركة كلفظ " سهيل " القول على [ سهيل ] [30] الكوكب وعلى  سهيل بن عمرو  ، فإن تلك لا يقال فيها : إن هذا ينقسم إلى كذا  [ ص: 586 ] وكذا ، ولكن يقال : إن هذا اللفظ يطلق على هذا المعنى وعلى هذا المعنى ، وهذا أمر لغوي لا تقسيم عقلي . 
وهناك تقسيم عقلي : تقسيم المعنى الذي هو مدلول اللفظ العام ، مورد التقسيم مشترك بين الأقسام . وقد ظن بعض الناس أنه يخلص من هذا بأن يجعل [31] لفظ الوجود مشككا لكون [32] الوجود الواجب أكمل ، كما يقال : في لفظ " السواد " و " البياض " المقول على سواد القار وسواد الحدقة وبياض الثلج وبياض العاج . 
ولا ريب أن المعاني الكلية قد تكون متفاضلة في مواردها ، بل أكثرها كذلك ، وتخصيص هذا القسم بلفظ المشكك أمر اصطلاحي . ولهذا كان من الناس من قال : هو نوع من المتواطئ [33] لأن واضع اللغة لم يضع اللفظ العام بإزاء التفاوت الحاصل لأحدهما ، بل بإزاء القدر المشترك . 
وبالجملة فالنزاع في هذا لفظي ، فالمتواطئة العامة تتناول المشككة ، وأما المتواطئة التي تتساوى معانيها فهي قسيم المشككة ، وإذ جعلت المتواطئة نوعين : متواطئا [34] عاما وخاصا ، كما جعل الإمكان نوعين : عاما وخاصا ، زال اللبس . 
والمقصود هنا أن يعرف أن قول جمهور الطوائف من الأولين والآخرين  [ ص: 587 ] أن هذه الأسماء عامة كلية - ( 1 سواء سميت متواطئة أو مشككة 1 ) [35]  - ليست ألفاظا [36] مشتركة اشتراكا لفظيا فقط . وهذا مذهب المعتزلة  والشيعة  والأشعرية  والكرامية  ، وهو مذهب سائر المسلمين : أهل السنة والجماعة والحديث وغيرهم ، إلا من شذ [37]  . 
وأما الشبه التي أوقعت هؤلاء [38] ، فجوابها من وجهين : تمثيل وتخييل [39]  . أما التمثيل فأن يقال : القول في لفظ " الوجود " كالقول في لفظ " الحقيقة " و " الماهية " و " النفس " و " الذات " ، وسائر الألفاظ التي تقال على الواجب والممكن ، بل تقال على كل موجود . 
فهم إذا قالوا : يشتركان في الوجود ، ويمتاز أحدهما عن الآخر بحقيقته . 
( 6 قيل لهم : القول في لفظ " الحقيقة " كالقول في لفظ " الوجود " ، فإن هذا له حقيقة وهذا له حقيقة ، كما أن لهذا وجودا ولهذا وجودا ، وأحدهما يمتاز عن الآخر بوجوده المختص به ، كما هو ممتاز عنه بحقيقته 6 ) [40] التي تختص به فقول القائل : إنهما يشتركان [41] في مسمى الوجود ، ويمتاز كل  [ ص: 588 ]  [ واحد ] [42] منهما بحقيقته التي تخصه [43] ، ( * كما لو قيل : هما مشتركان في مسمى الحقيقة ويمتاز كل منهما * ) [44] بوجوده الذي يخصه . 
وإنما وقع الغلط لأنه أخذ الوجود مطلقا لا مختصا ، وأخذت الحقيقة مختصة لا مطلقة ، ومن المعلوم أن كلا منهما يمكن أن يوجد [45] مطلقا ويمكن أن يوجد [46] مختصا ، فإذا أخذا مطلقين تساويا في العموم ، وإذا أخذا مختصين تساويا في الخصوص ، وأما [47] أخذ أحدهما عاما والآخر مختصا فليس هذا بأولى من العكس . 
وأما حل الشبهة فهو أنهم توهموا [48]  [ أنه ] [49] إذا قيل إنهما مشتركان في مسمى الوجود ، يكون في الخارج وجود مشترك هو نفسه في هذا ، وهو نفسه في هذا ، فيكون نفس المشترك فيهما ، والمشترك لا يميز ، فلا بد له من مميز . 
وهذا غلط فإن قول القائل : يشتركان في مسمى الوجود ، أي يشتبهان في ذلك [50] ويتفقان فيه ، فهذا [51] موجود وهذا موجود ، ولم يشرك أحدهما الآخر في نفس وجوده ألبتة . 
 [ ص: 589 ] وإذا قيل : يشتركان في الوجود المطلق الكلي ، فذاك المطلق الكلي لا يكون مطلقا كليا إلا في الذهن ، فليس في الخارج مطلق كلي يشتركان فيه ، بل هذا له حصة منه ، وهذا له حصة منه ، وكل من الحصتين [52] ممتازة عن الأخرى . 
ومن قال : المطلق جزء من المعين ، ( * والموجود جزء من هذا الموجود [53] ، والإنسان جزء من هذا الإنسان : إن أراد به أن المعين * ) [54] يوصف به ، فيكون صفة له ، ومع كونه صفة له ، فما هو صفة له [55] لا توجد عينه لآخر [56] ، فهذا معنى صحيح ، ولكن تسمية الصفة جزء الموصوف ليس هو المفهوم منها عند الإطلاق . 
وإن أريد أن نفس ما في المعين من وجود أو إنسان هو في ذلك بعينه ، فهذا مكابرة . 
وإن قال : إنما أردت أن النوع في الآخر عاد الكلام في النوع ، فإن النوع أيضا كلي [57]  . 
والكليات الخمسة   : كليات الجنس ، والنوع ، والفصل ، والخاصة ، والعرض العام ; والقول فيها واحد ، فليس فيها ما يوجد في الخارج كليا مطلقا ، ولا تكون كلية مطلقة إلا في الأذهان لا في الأعيان . 
 [ ص: 590 ] وما يدعى فيها من عموم وكلية أو من تركيب كتركيب النوع من الجنس والفصل ، هي أمور عقلية ذهنية لا وجود لها في الخارج ، فليس في الخارج شيء يعم هذا وهذا ، [ ولا في الخارج إنسان مركب من هذا وهذا ] [58] ، بل الإنسان موصوف بهذا وهذا [ وهذا ] [59] بصفة يوجد نظيرها في كل إنسان ، وبصفة يوجد نظيرها في كل حيوان ، وبصفة يوجد نظيرها في كل نام . 
وأما نفس الصفة التي قامت به [60] ، ونفس الموصوف الذي قامت به الصفة ، فلا اشتراك فيه أصلا ولا عموم ، ولا هو [61] مركب من عام وخاص . 
وهذا الموضع منشأ زلل كثير من المنطقيين في الكليات ، وكثير من المتكلمين في مسألة الحال . وبسبب ذلك [62] غلط من غلط من هؤلاء وهؤلاء في الإلهيات [63] فيما يتعلق بهذا ، ( 7 فإن المتكلمين أيضا رأوا أن الأشياء تتفق بصفات وتختلف بصفات 7 ) [64] ، والمشترك عين المميز [65] ، فصاروا حزبين : حزبا أثبت هذه الأمور في الخارج ، لكنه قال : لا موجودة ولا معدومة ، لأنها لو كانت موجودة لكانت أعيانا موجودة أو  [ ص: 591 ] صفات للأعيان ، ولو كانت كذلك لم يكن فيها اشتراك وعموم ، [ فإن صفة الموصوف الموجودة لا يشركه فيها غيره . 
وآخرون علموا أن كل موجود مختص بصفة فقالوا : لا عموم ] [66] ولا اشتراك إلا في الألفاظ دون المعاني . 
والتحقيق أن هذه الأمور العامة المشترك فيها هي ثابتة في الأذهان ، وهي معاني الألفاظ العامة ، فعمومها بمنزلة عموم الألفاظ ، فالخط يطابق اللفظ ، واللفظ يطابق المعنى ، والمعنى عام ، وعموم اللفظ يطابق عموم المعنى ، وعموم الخط يطابق عموم اللفظ . 
وقد اتفق الناس على أن العموم يكون من عوارض [ الألفاظ ، وتنازعوا هل يكون من عوارض المعاني ؟ فقيل : يكون أيضا [67] من عوارض ] [68] المعاني ، كقولهم مطر عام ، وعدل عام ، وخصب عام . 
وقيل : بل ذلك مجاز ; لأن المطر الذي حل بهذه البقعة ليس هو المطر الذي حل بهذه البقعة ، وكذلك الخصب والعدل [69]  . 
والتحقيق أن معنى المطر القائم بقلب المتكلم عام كعموم [70] اللفظ سواء ، بل اللفظ دليل على ذلك المعنى ، فكيف يكون اللفظ عاما دون معناه الذي هو المقصود بالبيان ؟ فأما [71] المعاني الخارجية [72] فليس فيها  [ ص: 592 ] شيء بعينه عام ، وإنما العموم للنوع : كعموم الحيوانية للحيوان ، والإنسانية للإنسان . 
فمسألة الكليات والأحوال وعروض العموم [73] لغير الألفاظ من جنس واحد ; ومن فهم الأمر على ما هو عليه ، تبين له أنه ليس في الخارج شيء هو بعينه موجود في هذا وهذا . 
وإذا قال : نوعه موجود ، أو الكلي [74] الطبيعي موجود ، أو الحقيقة موجودة ، أو الإنسانية من حيث هي موجودة ، ونحو هذه العبارات ، فالمراد به [75] أنه وجد في هذا نظير ما وجد في هذا أو شبهه [76] ومثله ونحو ذلك . 
والمتماثلان يجمعهما [77] نوع واحد ، وذلك النوع هو الذي بعينه يعم هذا ويعم هذا ، لا يكون عاما مطلقا كليا إلا في الذهن . وأنت إذا قلت : الإنسانية موجودة في الخارج ، والكلي الطبيعي موجود في الخارج ، كان صحيحا : بمعنى أن ما تصوره الذهن كليا يكون في الخارج ، لكنه إذا كان في الخارج لا يكون كليا ; كما أنك إذا قلت : زيد في الخارج ، فليس المراد هذا اللفظ ولا المعنى القائم في الذهن ، بل المراد المقصود بهذا اللفظ موجود في الخارج . 
 [ ص: 593 ] ومن هنا تنازع الناس في مسألة [78] الاسم والمسمى ، ونزاعهم شبيه [79] بهذا النزاع ، وأنت [80] إذا نظرت في [ الماء أو ] المرآة [81] فقلت : هذه الشمس أو هذا القمر فهو صحيح ، وليس مرادك أن نفس ما في السماء حصل في الماء أو المرآة [82] ، ولكن ذلك شوهد في المرآة ، وظهر في المرآة ، وتجلى في المرآة . 
فإذا قلت : الكليات في الخارج [ فصحيح ] [83] ، أو الإنسان من حيث هو في الخارج فصحيح ، لكن لا يكون في الخارج إلا مقيدا مخصوصا لا يشركه في نفس [ الأمر ] [84] شيء من الموجودات الخارجية [85]  . 
وبهذا ينحل كثير من المواضع التي اشتبهت على [ كثير من ] [86] المنطقيين وغلطوا فيها ، مثل زعمهم أن الماهية الموجودة في الخارج غير الوجود  [87] ، فإنك تتصور المثلث قبل أن تعلم وجوده ، وبنوا على ذلك الفرق بين الصفات الذاتية واللازمة العرضية ، وغير ذلك من مسائلهم . 
ولا ريب أن الفرق ثابت بين ما هو في الذهن وما هو في الخارج ، فإذا  [ ص: 594 ] جعلت الماهية اسما لما في الذهن ، والوجود اسما لما في الخارج ( 1 فالفرق ثابت ، كما لو جعل الوجود اسما لما في الذهن والماهية اسما لما في الخارج 1 ) [88]  . 
لكن لما كان [89] لفظ الماهية مأخوذا من قول السائل : " ما هو ؟ " ، وجواب هذا هو المقول في جواب : " ما هو " [90] ، وذلك كلام يتصور معناه المجيب ، عبر بالماهية [91] عن الصور الذهنية ، وأما الوجود فهو تحقق [92] الشيء في الخارج . 
لكن هؤلاء لم يقتصروا على هذا ، بل زعموا أن ماهيات [93] الأشياء ثابتة في الخارج وأنها غير الأعيان الموجودة  وهذا غلط بالضرورة ، فإن المثلث الذي تعرفه قبل أن تعرف وجوده في الخارج ، هو المثلث المتصور [94] في الذهن الذي لا وجود له في الخارج ، وإلا فمن الممتنع أن تعلم حقيقة المثلث الموجود في الخارج قبل أن تعلم وجوده [ في الخارج ، فما في الخارج لا تعلم حقيقته حتى تعلم وجوده ] [95] ، وما علمت [96] حقيقته قبل وجوده لم يكن له حقيقة بعد إلا في الذهن . 
 [ ص: 595 ] ومن هذا الباب ظن من ظن من هؤلاء أن لنا عددا مجردا في الخارج ، أو مقدارا [97] مجردا في الخارج ، وكل هذا غلط ، وهذا مبسوط في موضع آخر . وإنما نبهنا هنا على هذا ؛ لأن كثيرا من أكابر أهل النظر والتصوف والفلسفة والكلام ، ومن اتبعهم من الفقهاء والصوفية ، ضلوا في مسألة وجود الخالق  ، التي هي رأس كل معرفة ، والتبس الأمر في ذلك على من نظر في كلامهم لأجل هذه الشبهة . وقد كتبنا في مسألة " الكليات " كلاما مبسوطا مختصا بذلك [98] ، لعموم الحاجة وقوة المنفعة وإزالة الشبهة بذلك [99]  . 
وبهذا يتبين [100] غلط النفاة في لفظ التشبيه ، فإنه يقال : الذي يجب نفيه عن الرب تعالى : اتصافه بشيء من خصائص المخلوقين ، كما أن المخلوق لا يتصف بشيء من خصائص الخالق ، أو أن [101] يثبت للعبد شيء يماثل فيه الرب ، وأما إذا قيل حي وحي ، وعالم وعالم ، وقادر وقادر ، أو قيل : لهذا قدرة ولهذا قدرة ، ولهذا علم ولهذا علم ، كان نفس علم الرب لم يشركه فيه العبد ، ونفس علم العبد لا يتصف به الرب ، تعالى عن ذلك ، وكذلك في سائر الصفات ، [ بل ولا يماثل هذا هذا ] [102] ،  [ ص: 596 ] وإذا اتفق العلماء [103] في مسمى العلم ، والعالمان في مسمى العالم [104] ، فمثل هذا التشبيه ليس هو المنفي [105] لا بشرع ولا بعقل ، ولا يمكن نفي ذلك إلا بنفي وجود الصانع . 
ثم الموجود والمعدوم قد يشتركان في أن هذا معلوم مذكور وهذا معلوم مذكور [106] ، وليس في إثبات هذا محذور ، فإن المحذور إثبات شيء من خصائص أحدهما للآخر ، وقولنا : إثبات الخصائص إنما يراد إثبات مثل تلك الخاصة ، وإلا فإثبات عينها ممتنع مطلقا . 
فالأسماء والصفات نوعان   : نوع يختص به الرب ، مثل الإله ورب العالمين ونحو ذلك ، فهذا لا يثبت [107] للعبد بحال ; ومن هنا ضل المشركون الذين جعلوا لله أندادا . 
والثاني : ما يوصف به العبد في الجملة ، كالحي والعالم والقادر ، فهذا لا يجوز أن يثبت للعبد مثل ما يثبت للرب أصلا ، فإنه لو ثبت له مثل ما يثبت له [108] للزم أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ، ويجب له ما يجب له ويمتنع عليه ما يمتنع عليه ، وذلك يستلزم اجتماع النقيضين ، كما تقدم بيانه . 
 [ ص: 597 ] وإذا قيل : فهذا يلزم [109] فيما اتفقا فيه ، كالوجود والعلم والحياة . 
قيل : هذه الأمور لها ثلاثة [110] اعتبارات : أحدها : ما يختص به الرب ، فهذا ما يجب له ويجوز ويمتنع عليه ، ليس للعبد فيه نصيب . 
والثاني : ما يختص بالعبد ، كعلم العبد وقدرته وحياته ، فهذا إذا جاز عليه الحدوث والعدم [111] لم يتعلق ذلك بعلم الرب وقدرته وحياته ، فإنه لا اشتراك فيه . 
والثالث : المطلق الكلي ، وهو مطلق الحياة والعلم والقدرة ، فهذا المطلق ما كان واجبا له كان واجبا فيهما ، وما كان جائزا عليه كان جائزا عليهما ، وما كان ممتنعا عليه كان ممتنعا عليهما . 
فالواجب أن [ يقال ] [112]  : هذه صفة كمال حيث كانت ، فالحياة والعلم [113] والقدرة صفة كمال لكل موصوف ، والجائز عليهما اقترانهما [114] بصفة أخرى كالسمع والبصر والكلام . فهذه الصفات يجوز أن تقارن هذه في كل محل ، اللهم إلا إذا كان هناك مانع من جهة المحل لا من جهة الصفة . وأما الممتنع عليهما [115] فيمتنع أن تقوم هذه الصفات إلا بموصوف  [ ص: 598 ]  [ قائم بنفسه ، وهذا ممتنع عليها [116] في كل موضع ، فلا يجوز أن تقوم صفات الله بأنفسها بل بموصوف ] [117] ، وكذلك صفات العباد لا يجوز أن تقوم بأنفسها بل بموصوف . 
				
						
						
