الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فالإيمان بالقدر ، والرضا بما قدره الله من المصائب والتسليم لذلك ، هو من حقيقة [1] الإيمان . وأما الذنوب فليس لأحد أن يحتج فيها بقدر الله [ ص: 27 ] تعالى [2] ، بل عليه أن لا يفعلها ، وإذا فعلها فعليه أن يتوب منها ، كما فعل [3] آدم . ولهذا قال بعض الشيوخ : [4] اثنان أذنبا ذنبا : آدم وإبليس [5] فآدم تاب فتاب الله عليه [ واجتباه وهداه ] ، وإبليس [6] أصر واحتج بالقدر ، فمن تاب من ذنبه أشبه أباه آدم ، ومن أصر واحتج بالقدر أشبه إبليس .

                  وإذا كان الفرق بين الفاعل المختار [7] وبين غيره مستقرا في بدائه [8] العقول ، حصل المقصود . وكذلك إذا كان مستقرا في بدائه [9] العقول أن الأفعال الاختيارية تكسب نفس الإنسان صفات محمودة وصفات مذمومة ، بخلاف لونه وطوله وعرضه ، فإنها لا تكسبه ذلك .

                  فالعلم النافع ، والعمل الصالح ، والصلاة الحسنة ، وصدق الحديث ، وإخلاص العمل لله ، وأمثال ذلك : تورث القلب صفات محمودة . كما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إن للحسنة لنورا في القلب ، وضياء في الوجه ، وسعة في الرزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق . وإن للسيئة لسوادا في الوجه ، وظلمة [10] في القلب ، ووهنا في البدن ، ونقصا في الرزق ، وبغضا في قلوب الخلق .

                  [ ص: 28 ] ففعل الحسنة له آثار محمودة موجودة [11] في النفس وفي الخارج ، وكذلك فعل [12] السيئات . والله تعالى جعل الحسنات سببا لهذا ، [ والسيئات سببا لهذا ، كما جعل أكل السم سببا للمرض والموت . وأسباب الشر لها أسباب تدفع بمقتضاها ] [13] ، فالتوبة والأعمال الصالحة تمحى بها السيئات ، والمصائب في الدنيا تكفر بها السيئات ، كما أن السم تارة يدفع موجبه بالدواء ، وتارة يورث مرضا يسيرا ، ثم تحصل العافية .

                  وإذا قيل : خلق الفعل مع حصول العقوبة عليه [14] ظلم ، كان بمنزلة أن يقال : خلق أكل [15] السم ثم حصول الموت به ظلم . والظلم وضع الشيء في غير موضعه ، واستحقاق هذا الفاعل لأثر فعله الذي هو معصية الله ، كاستحقاقه لأثره إذا ظلم العباد [16] .

                  وهذا الآن ينزع [17] إلى مسألة التحسين والتقبيح ، فإن الناس متفقون على أن كون الفعل يكون سببا لمنفعة العبد وحصول ما يلائمه ، وسببا لحصول مضرته ، وحصول ما ينافيه ، قد يعلم بالعقل ، وكذلك كونه قد يكون صفة كمال وصفة نقص ، وإنما تنازعوا في كونه [ يكون ] [18] سببا للعقاب والذم على قولين مشهورين .

                  [ ص: 29 ] والنزاع في ذلك بين أصحاب أحمد ، وبين أصحاب [19] مالك ، وبين أصحاب [20] الشافعي وغيرهم . وأما أبو حنيفة وأصحابه فيقولون بالتحسين والتقبيح ، وهو قول جمهور الطوائف من المسلمين وغيرهم ، وفي الحقيقة فهذا النزاع [21] يرجع إلى الملاءمة والمنافرة [22] ، والمنفعة والمضرة ، فإن الذم والعقاب مما يضر العبد ولا يلائمه ، فلا يخرج الحسن [23] والقبح عن حصول المحبوب والمكروه ، فالحسن ما حصل المحبوب المطلوب المراد لذاته [24] ، والقبيح ما حصل المكروه البغيض ، فإذا كان الحسن يرجع إلى المحبوب ، والقبيح يرجع إلى المكروه ، بمنزلة النافع والضار ، والطيب والخبيث ، ولهذا يتنوع بتنوع الأحوال ، فكما أن الشيء الواحد يكون نافعا إذا صادف حاجة ، ويكون ضارا في موضع آخر ، كذلك الفعل كأكل الميتة يكون قبيحا تارة ويكون حسنا أخرى .

                  وإذا كان كذلك فهذا الأمر لا يختلف ، سواء كان العبد هو الفاعل [25] بغير أن يخلق الله له القدرة والإرادة ، أو بأن يخلق الله له ذلك ، كما في سائر ما هو نافع وضار ومحبوب ومكروه .

                  وقد دلت الدلائل اليقينية على أن كل حادث فالله خالقه ، وفعل العبد من جملة الحوادث ، وكل ممكن يقبل الوجود والعدم ، فإن شاء الله كان وإن لم يشأ [ ص: 30 ] لم يكن ، وفعل العبد من جملة الممكنات ; وذلك لأن [26] العبد إذا فعل الفعل فنفس الفعل حادث بعد أن لم يكن ، فلا بد له [27] من سبب .

                  وإذا قيل : حدث بالإرادة ، فالإرادة أيضا حادثة ، فلا بد لها من سبب . وإن شئت قلت [28] : الفعل ممكن فلا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح . وعلى طريقة بعضهم [29] فلا [30] يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح . وكون العبد فاعلا له حادث ممكن ، فلا بد له من محدث مرجح ، ولا فرق في ذلك بين حادث وحادث . ( * [ والمرجح لوجود الممكن لا بد أن يكون تاما مستلزما [31] وجود الممكن ، وإلا فلو كان مع وجود المرجح يمكن وجود الفعل تارة وعدمه أخرى ، لكان ممكنا بعد حصول المرجح ، يمكن وجوده وعدمه ، وحينئذ فلا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح ، وهذا المرجح إما أن يكون تاما مستلزما وجود الفعل ، ( وإما أن يكون الفعل ) [32] معه يمكن [33] وجوده وعدمه ، فإن كان الثاني لزم أن لا يوجد الفعل بحال ، ولزم التسلسل الباطل .

                  [ ص: 31 ] فعلم أن الفعل لا يوجد إلا إذا وجد مرجح تام يستلزم وجوده ، وذلك المرجح التام هو الداعي التام ( والقدرة ) [34] وهذا مما سلمه طائفة من المعتزلة كأبي الحسين البصري وغيره ؛ سلموا أنه إذا وجد الداعي التام والقدرة التامة لزم وجود الفعل ، وأن الداعي والقدرة خلق لله عز وجل ، وهذا حقيقة قول أهل السنة [35] الذين يقولون : ( إن الله خالق أفعال العباد كما أن الله خالق كل شيء ، فإن أئمة أهل السنة يقولون : ) [36] إن الله خالق الأشياء بالأسباب ، وأنه خلق للعبد قدرة [37] يكون بها فعله ، وأن [38] العبد فاعل لفعله حقيقة ، فقولهم في خلق فعل العبد بإرادته وقدرته [39] كقولهم في خلق سائر الحوادث بأسبابها ، ولكن ليس هذا قول من ينكر الأسباب والقوى التي في الأجسام وينكر تأثير القدرة ( التي للعبد ) [40] التي بها يكون الفعل ، ويقول : إنه لا أثر لقدرة العبد أصلا في فعله [41] ، كما يقول ذلك جهم وأتباعه [42] ، والأشعري ومن وافقه .

                  وليس قول هؤلاء قول أئمة السنة ولا جمهورهم ، بل أصل هذا القول هو قول الجهم بن صفوان ، فإنه كان يثبت مشيئة الله تعالى ، وينكر أن يكون له [ ص: 32 ] حكمة أو رحمة ، وينكر أن يكون للعبد فعل أو قدرة مؤثرة . وحكي عنه أنه كان يخرج إلى الجذمى ويقول : أرحم الراحمين يفعل ( مثل ) [43] هذا ؟ إنكارا لأن تكون له رحمة يتصف بها ، وزعما منه أنه ليس إلا مشيئة محضة لا اختصاص لها بحكمة ، بل يرجح أحد المتماثلين بلا مرجح .

                  وهذا قول طائفة من المتأخرين ، وهؤلاء يقولون : إنه لم يخلق لحكمة ، ولم يأمر لحكمة ، وأنه ليس في القرآن " لام " كي ، لا في خلق الله ولا في أمر الله . [44] وهؤلاء الجهمية المجبرة هم والمعتزلة والقدرية في [45] طرفين متقابلين [46] .

                  وقول سلف الأمة وأئمة السنة وجمهورها ليس قول هؤلاء ولا قول هؤلاء ، وإن كان كثير من المثبتين للقدر يقول بقول جهم ، فالكلام [47] إنما هو في أهل السنة المثبتين لإمامة أبي بكر وعمر وعثمان والمثبتين للقدر . وهذا الاسم يدخل فيه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، وأئمة التفسير والحديث والفقه [ ص: 33 ] والتصوف ، وجمهور المسلمين ، وجمهور طوائفهم ، لا يخرج عن هذا إلا بعض الشيعة ، وأئمة هؤلاء وجمهورهم على القول الوسط الذي ليس هو قول المعتزلة ولا قول جهم وأتباعه الجبرية ، فمن قال إن شيئا من الحوادث أفعال الملائكة والجن والإنس لم يخلقها الله تعالى ، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع السلف والأدلة العقلية ] [48] * ) [49] .

                  ولهذا قال بعض السلف من قال : إن كلام الآدميين أو أفعال [50] العباد غير مخلوقة ، فهو بمنزلة من قال : إن سماء الله وأرضه غير مخلوقة .

                  والله تعالى يخلق ما يخلق [51] لحكمة كما تقدم ، ومن جملة المخلوقات ما قد يحصل به [52] ضرر عارض لبعض الناس ، كالأمراض والآلام وأسباب ذلك ، فخلق الصفات والأفعال التي هي أسبابه [53] من جملة ذلك . فنحن نعلم أن لله في ذلك حكمة ، ( * وإذا كان قد فعل ذلك لحكمة خرج عن أن يكون سفها ، وإذا كان العقاب على فعل العبد الاختياري لم يكن ظلما . فهذا الحادث بالنسبة إلى الرب له فيه حكمة * ) [54] يحسن [55] لأجل تلك الحكمة وبالنسبة [56] إلى العبد عدل ، لأنه عوقب على فعله ، فما ظلمه الله ولكن هو ظلم نفسه .

                  [ ص: 34 ] واعتبر ذلك بأن يكون غير الله هو الذي عاقبه على ظلمه ، لو [57] عاقبه ولي أمر على عدوانه على الناس فقطع [58] يد السارق ، أليس ذلك عدلا [59] من هذا الوالي ؟ وكون الوالي مأمورا بذلك يبين [60] أنه عادل .

                  لكن المقصود هنا أنه مستقر في فطر الناس وعقولهم أن ولي الأمر إذا أمر الغاصب برد المغصوب إلى مالكه ، وضمن التالف بمثله ، أنه يكون حاكما بالعدل ، وما زال العدل معروفا في القلوب والعقول . ولو قال هذا المعاقب : أنا قد قدر علي هذا ، لم يكن هذا [61] حجة له ، ولا مانعا لحكم الوالي أن يكون عدلا .

                  فالله تعالى أعدل العادلين إذا اقتص [62] للمظلوم من ظالمه في الآخرة أحق بأن يكون ذلك عدلا منه ، فإن [63] قال الظالم : هذا كان مقدرا علي ، لم يكن هذا عذرا صحيحا ولا مسقطا لحق المظلوم ، وإذا كان الله هو الخالق لكل شيء فذاك [64] لحكمة أخرى له في الفعل ، فخلقه حسن بالنسبة إليه لما [ له ] [65] فيه من الحكمة ، والفعل القبيح المخلوق قبيح من فاعله [66] ، لما عليه [ ص: 35 ] فيه من المضرة ، كما أن أمر الوالي بعقوبة الظالم يسر الوالي لما فيه من الحكمة [67] ، وهو عدله وأمره بالعدل ، وذلك يضر المعاقب لما عليه فيه من الألم .

                  ولو قدر أن هذا الوالي كان سببا في حصول ذلك الظلم ، على وجه لا يلام عليه ، لم يكن عذرا للظالم ، مثل حاكم شهد عنده بينة [68] بمال لغريم [69] ، فأمر بحبسه أو عقوبته ، حتى ألجأه ذلك إلى أخذ مال آخر بغير حق ليوفيه إياه ، فإن الحاكم أيضا يعاقبه [ فيه ] [70] ، فإذا قال : أنت [71] حبستني وكنت عاجزا عن الوفاء ، ولا [72] طريق لي إلى الخلاص إلا أخذ مال هذا ، لكان حبسه الأول ضررا عليه ، وعقوبته ثانيا على أخذ مال [ الغير ] [73] ضررا عليه والوالي يقول : أنا حكمت بشهادة العدول ، فلا ذنب لي في ذلك ، وغايتي أني أخطأت ، والحاكم إذا أخطأ له أجر . وقد يفعل كل من الرجلين بالآخر [74] من الضرر ما يكون فيه [75] معذورا ، والآخر معاقبا ، بل [76] مظلوما لكن بتأويل .

                  [ ص: 36 ] وهذه الأمثال ليست مثل فعل الله تعالى ، فإن الله ليس كمثله شيء : لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، فإنه سبحانه يخلق الاختيار في المختار ، والرضا في الراضي ، والمحبة في المحب . وهذا لا يقدر عليه إلا الله .

                  ولهذا أنكر الأئمة على من قال : جبر الله العباد ، كالثوري والأوزاعي والزبيدي وأحمد بن حنبل وغيرهم ، وقالوا : الجبر لا يكون إلا من عاجز ، كما يجبر الأب ابنته على خلاف مرادها .

                  والله خالق الإرادة والمراد ، فيقال : جبل ، كما جاءت به السنة ، ولا يقال : جبر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم [ في الحديث الصحيح ] [77] . [78] . [79] .

                  ومما يبين هذا أن الله سبحانه وتعالى جهة خلقه وتقديره غير جهة أمره وتشريعه ، فإن أمره وتشريعه ، مقصوده بيان ما ينفع العباد إذا فعلوه وما يضرهم ، بمنزلة أمر الطبيب للمريض بما ينفعه ، فأخبر الله على ألسن رسله بمصير السعداء والأشقياء ، وأمر بما يوصل إلى السعادة ، ونهى عما يوصل إلى الشقاوة .

                  [ ص: 37 ] وخلقه وتقديره يتعلق به وبجملة المخلوقات ، فهو يفعل لما فيه حكمة متعلقة بعموم خلقه ، [80] وإن كان في ضمن ذلك مضرة لبعض الناس ، كما أنه ينزل المطر لما فيه من الرحمة والنعمة العامة والحكمة [81] وإن كان في ضمن ذلك تضرر [82] بعض الناس بسقوط منزله وانقطاعه عن [83] سفره وتعطيل معيشته وكذلك يرسل نبيه [ محمدا ] صلى [84] الله عليه وسلم لما في إرساله من الرحمة العامة ، وإن كان في ضمن ذلك سقوط رياسة قوم وتألمهم بذلك . فإذا قدر على الكافر كفره ، قدره الله لما له في ذلك من الحكمة والمصلحة العامة ، وعاقبه لاستحقاقه ذلك بفعله الاختياري وإن كان مقدرا [85] ، ولما له في عقوبته من الحكمة والمصلحة العامة .

                  وقياس أفعال الله على أفعال العباد خطأ ظاهر ، لأن السيد إذا أمر عبده بأمر أمره لحاجته إليه ولغرض السيد فإذا أثابه على ذلك كان من باب المعاوضة ، وليس له حكمة يطلبها إلا حصول ذلك [ المأمور به ] [86] وليس هو الخالق لفعل المأمور . فإذا قدر أن السيد لم يعوض المأمور ، أو لم [87] يقم بحق عبده الذي يقضي حوائجه كان ظالما كالذي يأخذ سلعة ولا يعطي [88] ثمنها ، أو يستوفي منفعة الأجير ولم يوفه أجره .

                  [ ص: 38 ] والله تعالى غني عن العباد ، إنما أمرهم بما ينفعهم ، ونهاهم عما يضرهم فهو محسن إلى عباده بالأمر لهم ، محسن [89] لهم بإعانتهم على الطاعة ولو قدر أن عالما صالحا أمر الناس بما ينفعهم ، ثم أعان بعض الناس [90] على فعل ما أمرهم به ولم يعن آخرين ، لكان محسنا إلى هؤلاء إحسانا تاما ، ولم يكن ظالما لمن لم يحسن إليه . وإذا قدر أنه عاقب المذنب [91] العقوبة التي يقتضيها عدله وحكمته [92] ، لكان [ أيضا ] محمودا على هذا وهذا ، وأين هذا من حكمة [ أحكم الحاكمين ] ، وأرحم الراحمين [93] ؟ ! .

                  فأمره [94] لهم إرشاد وتعليم وتعريف [95] بالخير ، فإن أعانهم على فعل المأمور كان قد أتم النعمة على المأمور ، وهو مشكور على هذا وهذا ، وإن لم يعنه وخذله حتى فعل الذنب كان له في ذلك حكمة أخرى ، وإن كانت مستلزمة تألم هذا ، فإنما تألم بأفعاله الاختيارية التي من شأنها أن تورثه نعيما أو ألما ، وإن كان ذلك الإيراث بقضاء الله وقدره فلا منافاة بين هذا وهذا ، فجعله المختار [96] مختارا من كمال قدرته وحكمته ، وترتيب آثار الاختيار عليه من تمام حكمته وقدرته .

                  [ ص: 39 ] لكن يبقى الكلام في نفس الحكمة الكلية [97] في هذه الحوادث ، فهذه ليس على الناس معرفتها ، ويكفيهم التسليم لما قد علموا أنه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها .

                  ومن المعلوم [98] ما لو علمه كثير من الناس لضرهم علمه ، ونعوذ بالله من علم لا ينفع . وليس اطلاع كثير من الناس بل أكثرهم على حكم [99] الله في كل شيء نافعا لهم بل قد يكون ضارا . قال تعالى : لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [ سورة المائدة : 101 ] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية