[ ( فصل [1] . ) ] .
فلما ألحوا في طلب الرد لهذا الضلال المبين ، ذاكرين أن في الإعراض [ عن ذلك خذلانا للمؤمنين ] ، وظن [2] أهل الطغيان نوعا من العجز [ عن ] [3] رد هذا البهتان ، فكتبت ما يسره الله من البيان ، [ وفاء بما أخذه الله من ] الميثاق على أهل العلم ، والإيمان ، وقياما بالقسط ، وشهادة [ ص: 16 ] لله [4] ، كما قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) [ سورة النساء : 135 ] ، واللي [5] هو تغيير الشهادة ، [ والإعراض كتمانها .
والله تعالى ] قد أمر بالصدق ، والبيان ، ونهى عن الكذب ، والكتمان فيما يحتاج [ إلى معرفته ، وإظهاره ، كما قال : النبي ] [6] - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا ، وبينا بورك [ لهما في بيعهما ، وإن كتما ، وكذبا [7] ] محقت بركة بيعهما [8] . ) .
وقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) [ سورة المائدة : 8 ] .
[ ص: 17 ] ومن أعظم الشهادات ما جعل الله [ أمة محمد [9] ] شهداء عليه حيث قال : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ سورة البقرة : 143 ] .
وقال تعالى : ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) [ سورة الحج : 78 ] ، والمعنى [ عند الجمهور أن الله سماهم ] المسلمين من قبل نزول القرآن ، وفي القرآن .
وقال تعالى : ( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ) [ سورة البقرة : 140 ] ، وقال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) [ سورة آل عمران : 187 ] ، وقال تعالى : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ) [ سورة البقرة : 159 - 160 ] ، لا سيما الكتمان إذا لعن [ آخر هذه الأمة أولها ، كما في الأثر : محمد إذا لعن ] آخر هذه الأمة أولها ، فمن كان عنده علم فليظهره ، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم [ ما أنزل الله على [10] .
[ ص: 18 ] وذلك أن أول ] هذه الأمة هم [11] الذين قاموا بالدين تصديقا ، وعلما ، وعملا ، وتبليغا ، فالطعن فيهم [ طعن في الدين موجب للإعراض عما ] بعث الله به [12] النبيين .
وهذا كان مقصود أول من أظهر بدعة التشيع [13] ، فإنما كان قصده [14] [ الصد عن سبيل الله ، وإبطال ما جاءت ] به الرسل عن الله ، ولهذا كانوا يظهرون ذلك بحسب ضعف الملة ، فظهر [ في الملاحدة حقيقة هذه البدع المضلة ] لكن راج كثير منها على من ليس من المنافقين الملحدين ، لنوع من الشبهة ، والجهالة [ المخلوطة [15] بهوى ، فقبل [16] معه الضلالة ] ، وهذا أصل كل باطل .
قال الله تعالى : [17] ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) [ سورة النجم : 1 - 4 ] إلى قوله : ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) [ سورة النجم : 19 - 23 ] ، فنزه الله رسوله عن الضلال ، والغي ، والضلال عدم العلم ، والغي اتباع الهوى .
[ ص: 19 ] كما قال تعالى : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) [ سورة الأحزاب : 72 ] ، فالظلوم غاو ، والجهول ضال إلا من تاب الله عليه ، كما قال تعالى : ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما ) [ سورة الأحزاب : 73 ] [18] .
ولهذا أمرنا الله أن نقول في صلاتنا : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ، [ فالضال الذي لم يعرف الحق ] كالنصارى ، والمغضوب عليه [19] الغاوي الذي يعرف الحق ، ويعمل بخلافه كاليهود .
والصراط [ المستقيم يتضمن معرفة الحق ] والعمل به ، كما في الدعاء المأثور : اللهم أرني الحق حقا ، ووفقني لاتباعه ، وأرني الباطل [ باطلا ، ووفقني لاجتنابه ، ولا تجعله ] مشتبها علي ، فأتبع الهوى .
وفي صحيح عن مسلم [ رضي الله عنها عائشة [20] ] [21] كان إذا قام من الليل يصلي يقول : ( اللهم رب جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [22] ، فمن خرج [ ص: 20 ] عن الصراط المستقيم كان متبعا لظنه ، وما تهواه نفسه ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين .
وهذا ففيهم جهل ، وظلم ، لا سيما حال أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة ، فإنهم إن يتبعون إلا الظن ، وما تهوى الأنفس ، الرافضة ، فإنهم أعظم ذوي الأهواء جهلا وظلما يعادون خيار أولياء الله [ تعالى ] [23] من بعد النبيين ، من السابقين الأولين من المهاجرين ، والأنصار [24] ، والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ، ورضوا عنه ، ويوالون الكفار ، والمنافقين من اليهود ، والنصارى ، والمشركين ، وأصناف الملحدين كالنصيرية ، والإسماعيلية ، وغيرهم من الضالين [25] ، فتجدهم ، أو كثيرا منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين ، والكفار ، واختلف الناس فيما جاءت به الأنبياء ، فمنهم من آمن ، ومنهم من كفر - سواء كان الاختلاف بقول ، أو عمل كالحروب التي بين المسلمين ، وأهل الكتاب ، والمشركين - تجدهم يعاونون المشركين ، وأهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن .
كما قد جربه الناس منهم غير مرة في مثل إعانتهم للمشركين [26] من الترك ، وغيرهم على أهل الإسلام بخراسان ، والعراق ، والجزيرة ، والشام ، وغير [ ص: 21 ] ذلك ، وإعانتهم للنصارى [27] على المسلمين بالشام ، ومصر ، وغير ذلك في وقائع متعددة من أعظمها [28] الحوادث التي كانت في الإسلام في المائة الرابعة ، والسابعة ، فإنه [29] لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام ، وقتل من المسلمين ما [30] لا يحصي عدده إلا رب الأنام كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين ، ومعاونة للكافرين [31] ، وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير [32] حتى جعلهم الناس لهم كالحمير .