الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وعمدة الفلاسفة على قدم العالم هو قولهم يمتنع [1] حدوث الحوادث بلا سبب حادث ، فيمتنع تقدير ذات معطلة [2] عن الفعل لم تفعل ، ثم فعلت من غير حدوث سبب .

                  وهذا القول لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم لا الأفلاك ، ولا [ ص: 149 ] غيرها إنما يدل على أنه لم يزل فعالا ، وإذا [3] قدر أنه فعال لأفعال تقوم بنفسه أو مفعولات حادثة شيئا بعد شيء كان ذلك وفاء بموجب هذه الحجة مع القول بأن كل ما سوى الله محدث [ مخلوق ] [4] بعد أن لم يكن ، [ كما أخبرت الرسل أن الله خالق كل شيء ] [5] ، وإن كان النوع لم يزل متجددا ، كما في الحوادث المستقبلة كل منها حادث [ مخلوق ] [6] ، وهي لا تزال تحدث شيئا بعد شيء .

                  قال هؤلاء : والله قد [7] أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، وأخبر أنه خالق كل شيء ، ولا يكون المخلوق إلا مسبوقا [ بالعدم ] [8] ، فالقرآن يدل على أن كل [9] ما سوى الله مخلوق مفعول محدث .

                  فليس شيء من الموجودات مقارنا لله تعالى ، كما يقوله [ دهرية ] [10] الفلاسفة : إن العالم معلول له ، وهو موجب له مفيض له ، وهو متقدم [11] عليه بالشرف ، والعلية [12] ، والطبع ، وليس متقدما عليه بالزمان ، فإنه لو كان [ ص: 150 ] علة تامة موجبة يقترن بها معلولها - كما زعموا - لم يكن في العالم شيء محدث ، فإن ذلك المحدث لا يحدث عن علة تامة أزلية يقارنها معلولها ، فإن المحدث المعين لا يكون أزليا .

                  وسواء قيل . إنه حدث بوسط أو بغير وسط [13] - كما يقولون : إن الفلك تولد عنه بوسط عقل ، أو عقلين ، أو غير ذلك مما يقال - فإن كل قول يقتضي أن يكون شيء [14] من العالم قديما لازما لذات الله فهو باطل ; لأن ذلك يستلزم كون البارئ موجبا بالذات بحيث يقارنه [15] موجبه إذ لولا ذلك لما قارنه بذلك الشيء ، ولو كان موجبا بالذات لم يتأخر عنه شيء من موجبه ومقتضاه ، فكان يلزم أن لا يكون في العالم شيء محدث .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية