[ ص: 217 ] ( فصل )
قال [ الرافضي ] : [1] " ومنها أنه [2] لا يبقى وثوق بوعد الله ووعيده ، لأنهم إذا جوزوا استناد [3] الكذب في العالم إليه ، جاز أن يكذب في إخباراته كلها ، فتنتفي فائدة بعثة الأنبياء [4] ، بل [5] وجاز منه إرسال الكذاب [6] ، فلا يبقى لنا طريق إلى تمييز الصادق من الأنبياء والكاذب " .
والجواب عن هذا من وجوه :
أحدها [7] : أنه تقدم غير مرة أنه [8] بين ما خلقه صفة لغيره ، وبين ما اتصف هو [ به ] فرق [9] في نفسه ، . وفرق بين إضافة المخلوق إلى خالقه ، وإضافة الصفة إلى الموصوف بها
وهذا الفرق معلوم باتفاق العقلاء ، فإنه إذا خلق [10] لغيره حركة لم يكن [ ص: 218 ] هو المتحرك بها [11] ، وإذا خلق للرعد صوتا لم يكن هو المتصف بذلك الصوت ، وإذا خلق الألوان في النباتات والحيوانات والجمادات لم يكن هو المتصف بتلك الألوان ، وإذا خلق في غيره علما وقدرة وحياة لم تكن تلك المخلوقات في غيره صفات له ، وإذا خلق في غيره عمى وصمما وبكما لم يكن هو الموصوف بذلك العمى [12] والبكم والصمم ، وإذا خلق في غيره خبثا أو فسوقا لم يكن هو المتصف بذلك الخبث والفسوق ، وإذا خلق في غيره كذبا وكفرا لم يكن هو المتصف بذلك الكذب وبذلك الكفر ، كما أنه إذا قدر أنه [13] خلق فيه طوافا وسعيا ورمي جمار وصياما وركوعا وسجودا ، لم يكن هو الطائف الساعي الراكع الساجد الرامي بتلك الحجارة [14] .
وقوله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [ سورة الأنفال : 17 ] معناه : ما أصبت إذ حذفت ولكن الله هو الذي أصاب ، فالمضاف إليه الحذف باليد ، والمضاف إلى الله تعالى الإيصال إلى العدو وإصابتهم به ، وليس المراد بذلك ما يظنه بعض الناس أنه لما خلق الرامي [ والرمي ] [15] ، قالوا [16] : كان هو الرامي في الحقيقة ، فإن ذلك لو كان صحيحا لكونه خالقا لرميه لاطرد ذلك في سائر الأفعال ، فكان يقول : [ ص: 219 ] وما مشيت [ إذا مشيت ] [17] ولكن الله مشى ، وما لطمت ولكن الله لطم ، وما طعنت ولكن الله طعن ، وما ضربت بالسيف ولكن الله ضرب ، وما ركبت الفرس [18] ولكن الله ركب ، وما صمت ، وما صليت ، وما حججت [19] ، ولكن الله صام وصلى وحج .
ومن المعلوم بالضرورة [20] بطلان هذا كله ، وهذا [21] من غلو المثبتين للقدر . ولهذا يروى عن [ رضي الله عنه ] عثمان بن عفان [22] أنهم [23] كانوا يرمونه بالحجارة لما حصر [24] ، فقال لهم : لماذا ترمونني ؟ [25] فقالوا : ما رميناك ولكن الله رماك . فقال : لو أن الله رماني لأصابني ، ولكن أنتم ترمونني وتخطئونني .
وهذا مما احتج به القدرية النفاة على أن . كما احتج بعض المثبتة الصحابة لم يكونوا يقولون : إن الله خالق أفعال العباد [26] بقوله تعالى : ولكن الله رمى [ سورة الأنفال : 17 ] وكلاهما خطأ . فإن الله إذا خلق في [ ص: 220 ] عبد [27] فعلا ، لم يجب أن يكون ذلك المخلوق صوابا من العبد ، كما أنه إذا خلق في الجسم طعما أو ريحا ، لم يجب أن يكون [ ذلك ] [28] طيبا ، وإذا خلق للعبد عينين [29] ولسانا ، لم يجب أن يكون بصيرا ناطقا . فاستناد الكذب الذي في الناس ، كاستناد جميع ما يكون في المخلوقين [30] من الصفات القبيحة والأحوال المذمومة وذلك لا يقتضي أنه في نفسه مذموم ، ولا أنه موصوف بتلك الصفات . ولكن لفظ " الاستناد " لفظ مجمل . أتراه [ أنه ] [31] إذا استند إليه العجز المخلوق في الناس لكونه خالقه ، يكون هو عاجزا ؟ فهذا مما يبين فساد هذه الحجة [32] .