الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثاني :

                  أن الفاعل سواء كان قادرا ، أو موجبا بذاته ، أو قيل : هو قادر يوجب بمشيئته وقدرته لا بد أن يكون موجودا عند وجود المفعول ، ولا يجوز أن يكون معدوما عند وجود المفعول إذ المعدوم لا يفعل موجودا ، ونفس [ ص: 152 ] إيجابه وفعله ، واقتضائه ، وإحداثه لا [ بد أن ] يكون [1] ثابتا بالفعل عند وجود المفعول الموجب المحدث [2] فلا يكون فاعلا حقيقة إلا مع وجود المفعول .

                  فلو قدر أنه فعله واقتضاه [3] ، فوجد [4] بعد عدم للزم أن يكون فعله [5] ، وإيجابه عند عدم المفعول الموجب ، وعند عدمه ، فلا إيجاب ، ولا فعل .

                  وإذا كان كذلك ، فالموجب لحدوث الحوادث إذا قدر أنه يفعل الثاني بعد الأول من غير أن يحدث له حال يكون بها فاعلا [ للثاني ] [6] . كان المؤثر التام معدوما عند وجود الأثر ، وهذا محال ، فإن حاله عند وجود الأثر وعدمه سواء ، وقبله كان يمتنع أن يكون فاعلا له ، فكذلك عنده ، أو يقال : قبله لم يكن فاعلا فكذلك عنده .

                  إذ لو جوز أن يحدث الحادث الثاني من غير حدوث حال للفاعل بها [7] صار فاعلا لزم حدوث الحوادث كلها بلا سبب ، وترجيح الفاعل لأحد طرفي الممكن - بل لوجود الممكن - بلا مرجح ; لأن حاله قبل ومع وبعد [8] سواء ، فتخصيص بعض الأوقات بذلك الحادث تخصيص بلا مخصص ، فإن كان هذا جائزا جاز حدوث كل الحوادث بلا سبب [ ص: 153 ] حادث ، وبطل [9] قولهم ، وإن لم يكن جائزا بطل أيضا قولهم ، فثبت بطلان قول هؤلاء المتفلسفة الدهرية على تقدير النقيضين ، وذلك يستلزم بطلانه في نفس الأمر .

                  والواحد من الناس إذا قطع مسافة ، وكان قطعه للجزء الثاني . مشروطا بالأول ، فإنه إذا قطع الأول حصل له أمور تقوم به من قدرة أو إرادة ، أو غيرهما [10] [ تقوم بذاته ] [11] بها صار [12] حاصلا في الجزء الثاني . لا أنه بمجرد [13] عدم الأول صار قاطعا للثاني .

                  فإذا شبهوا فعله للحوادث بهذا لزمهم أن يتجدد لله أحوال تقوم به عند إحداث الحوادث ، وإلا فإذا [14] كان هو لم يتجدد له حال ، وإنما . وجد [ الحادث الثاني . بمجرد ] عدم الأول [15] ، فحاله قبل وبعد سواء ، فاختصاص أحد الوقتين بالإحداث لا بد له من مخصص ، ونفس صدور الحوادث لا بد له من فاعل ، والتقدير أنه على حال واحدة من الأزل إلى الأبد ، فيمتنع مع هذا التقدير اختصاص وقت دون وقت بشيء ، أو [ ص: 154 ] أن يكون فاعلا للحوادث ، فإنه إذا كان ولا [16] يفعل هذا الحادث ، وهو الآن كما كان ، فهو الآن لا يفعل هذا الحادث .

                  وابن سينا وأمثاله من القائلين بقدم العالم بهذا احتجوا على [ أهل الكلام من ] [17] المعتزلة ، والجهمية ، [ ومن وافقهم ] [18] ، فقالوا : إذا كان في الأزل ، ولا يفعل ، وهو الآن على حاله ، فهو الآن لا يفعل ، وقد فرض فاعلا هذا خلف ، وإنما لزم ذلك من تقدير ذات معطلة عن الفعل .

                  فيقال لهم : هذا بعينه [19] حجة عليكم في إثبات ذات بسيطة لا يقوم بها فعل ولا وصف مع صدور الحوادث عنها ، فإن [20] كان بوسائط لازمة لها ، فالوسط اللازم لها قديم بقدمها ، وقد قالوا : إنه يمتنع صدور الحوادث عن قديم هو على حال واحد ، كما كان .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية