الوجه الثاني :
أن ، أو قيل : هو قادر يوجب بمشيئته وقدرته لا بد أن يكون موجودا عند وجود المفعول ، ولا يجوز أن يكون معدوما عند وجود المفعول إذ المعدوم لا يفعل موجودا ، ونفس [ ص: 152 ] إيجابه وفعله ، واقتضائه ، وإحداثه لا [ بد أن ] يكون الفاعل سواء كان قادرا ، أو موجبا بذاته [1] ثابتا بالفعل عند وجود المفعول الموجب المحدث [2] فلا يكون فاعلا حقيقة إلا مع وجود المفعول .
فلو قدر أنه فعله واقتضاه [3] ، فوجد [4] بعد عدم للزم أن يكون فعله [5] ، وإيجابه عند عدم المفعول الموجب ، وعند عدمه ، فلا إيجاب ، ولا فعل .
وإذا كان كذلك ، فالموجب لحدوث الحوادث إذا قدر أنه يفعل الثاني بعد الأول من غير أن يحدث له حال يكون بها فاعلا [ للثاني ] [6] . كان المؤثر التام معدوما عند وجود الأثر ، وهذا محال ، فإن حاله عند وجود الأثر وعدمه سواء ، وقبله كان يمتنع أن يكون فاعلا له ، فكذلك عنده ، أو يقال : قبله لم يكن فاعلا فكذلك عنده .
إذ لو جوز أن يحدث الحادث الثاني من غير حدوث حال للفاعل بها [7] صار فاعلا لزم حدوث الحوادث كلها بلا سبب ، وترجيح الفاعل لأحد طرفي الممكن - بل لوجود الممكن - بلا مرجح ; لأن حاله قبل ومع وبعد [8] سواء ، فتخصيص بعض الأوقات بذلك الحادث تخصيص بلا مخصص ، فإن كان هذا جائزا جاز حدوث كل الحوادث بلا سبب [ ص: 153 ] حادث ، وبطل [9] قولهم ، وإن لم يكن جائزا بطل أيضا قولهم ، فثبت بطلان قول هؤلاء المتفلسفة الدهرية على تقدير النقيضين ، وذلك يستلزم بطلانه في نفس الأمر .
والواحد من الناس إذا قطع مسافة ، وكان قطعه للجزء الثاني . مشروطا بالأول ، فإنه إذا قطع الأول حصل له أمور تقوم به من قدرة أو إرادة ، أو غيرهما [10] [ تقوم بذاته ] [11] بها صار [12] حاصلا في الجزء الثاني . لا أنه بمجرد [13] عدم الأول صار قاطعا للثاني .
فإذا شبهوا فعله للحوادث بهذا لزمهم أن يتجدد لله أحوال تقوم به عند إحداث الحوادث ، وإلا فإذا [14] كان هو لم يتجدد له حال ، وإنما . وجد [ الحادث الثاني . بمجرد ] عدم الأول [15] ، فحاله قبل وبعد سواء ، فاختصاص أحد الوقتين بالإحداث لا بد له من مخصص ، ونفس صدور الحوادث لا بد له من فاعل ، والتقدير أنه على حال واحدة من الأزل إلى الأبد ، فيمتنع مع هذا التقدير اختصاص وقت دون وقت بشيء ، أو [ ص: 154 ] أن يكون فاعلا للحوادث ، فإنه إذا كان ولا [16] يفعل هذا الحادث ، وهو الآن كما كان ، فهو الآن لا يفعل هذا الحادث .
وأمثاله من القائلين بقدم العالم بهذا احتجوا على [ أهل الكلام من ] وابن سينا [17] المعتزلة ، والجهمية ، [ ومن وافقهم ] [18] ، فقالوا : إذا كان في الأزل ، ولا يفعل ، وهو الآن على حاله ، فهو الآن لا يفعل ، وقد فرض فاعلا هذا خلف ، وإنما لزم ذلك من تقدير ذات معطلة عن الفعل .
فيقال لهم : هذا بعينه [19] حجة عليكم في إثبات ذات بسيطة لا يقوم بها فعل ولا وصف مع صدور الحوادث عنها ، فإن [20] كان بوسائط لازمة لها ، فالوسط اللازم لها قديم بقدمها ، وقد قالوا : إنه يمتنع صدور الحوادث عن قديم هو على حال واحد ، كما كان .