الثاني : أن يقال : [1] : إنه ضعيف هو خير من تقليد من لم يبلغ في العلم مبلغ المجتهدين ، فإن كل من له القياس ولو قيل [2] علم [ ص: 402 ] وإنصاف يعلم أن مثل مالك والليث بن سعد والأوزاعي وأبي حنيفة والثوري ، ومثل وابن أبي ليلى الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور أعلم وأفقه من العسكريين وأمثالهما [3] .
وأيضا فهؤلاء خير من المنتظر الذي لا يعلم ما يقول ، فإن الواحد من هؤلاء إن كان عنده نص منقول : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ريب أن النص الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدم على [4] القياس بلا ريب ، وإن لم يكن عنده نص ولم يقل [5] بالقياس كان جاهلا ، فالقياس [6] الذي يفيد الظن خير من الجهل الذي لا علم معه ولا ظن ، فإن قال هؤلاء : كل ما يقولونه هو ثابت [7] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان [8] هذا أضعف من قول من قال : كل ما [9] يقوله المجتهد فإنه قول [10] النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن هذا يقوله طائفة من أهل الرأي ، وقولهم أقرب من قول الرافضة [11] فإن قول أولئك كذب صريح .
وأيضا فهذا كقول من يقول [12] : عمل أهل المدينة [13] متلقى عن [ ص: 403 ] الصحابة ، وقول الصحابة [14] متلقى [15] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقول من يقول : ما قاله الصحابة في غير [16] مجاري القياس فإنه لا يقوله إلا توقيفا [17] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول من يقول : قول المجتهد [18] أو الشيخ العارف [19] هو إلهام من الله ووحي يجب اتباعه .
فإن قال : هؤلاء تنازعوا .
قيل : وأولئك تنازعوا ، فلا يمكن أن يدعى دعوى باطلة إلا أمكن معارضتهم بمثلها [ أو بخير منها ] [20] ، ولا يقولون حقا [21] إلا كان في أهل السنة والجماعة [ من يقول ] [22] مثل ذلك الحق أو ما هو خير منه ، فإن . وقد قال تعالى : ( البدعة مع السنة كالكفر مع الإيمان ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) [ سورة الفرقان : 33 ] .