الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الثالث : أن يقال : هذه المسائل لها مأخذ عند من قالها من الفقهاء وإن كانت خطأ عند جمهورهم ، فأهل السنة أنفسهم يثبتون خطأها [1] ، فلا يخرج بيان الصواب عنهم ، كما لا يخرج الصواب عنهم [2] ، فالمخلوقات من ماء الزنا يحرمها جمهورهم ، كأبي حنيفة وأحمد ومالك في أظهر الروايتين ، وحكى ذلك قولا للشافعي [3] .

                  [ ص: 421 ] وأحمد لم يكن يظن أن في هذه المسائل نزاعا [4] حتى أفتى بقتل من فعل ذلك ، والذين قالوها كالشافعي وابن الماجشون رأوا النسب منتفيا لعدم الإرث [5] ، فانتفت أحكامه كلها ، والتحريم [6] من أحكامه ، والذين أنكروها [7] قالوا : أحكام الأنساب [8] تختلف ، فيثبت لبعض الأنساب من الأحكام ما لا يثبت لبعض ، فباب التحريم يتناول ما شمله اللفظ ولو مجازا حتى تحرم بنت البنت ، بل يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فالمخلوقة من مائه أولى بالتحريم ، بخلاف الإرث فإنه يختص بمن ينسب إلى الميت من ولده ، فيثبت لولد البنين دون ولد البنات .

                  وأما عقده على ذوات المحارم ، فأبو حنيفة جعل ذلك شبهة تدرأ الحد لوجود صورة العقد . وأما جمهور الفقهاء فلم يجعلوا ذلك شبهة ، بل قالوا : هذا مما يوجب تغليظ الحد عقوبة [9] لكونه فعل محرمين : العقد والوطء [10] .

                  [ ص: 422 ] وكذلك اللواط ، أكثر السلف يوجبون قتل فاعله مطلقا ، وإن لم يكن محصنا . وقيل : إن ذلك إجماع الصحابة ، وهو مذهب أهل المدينة كمالك وغيره ، ومذهب أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه . وعلى هذا القول [11] . يقتل المفعول به مطلقا إذا كان بالغا . والقول الآخر أن حده حد الزاني [12] . ، وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد في أحد قوليهما .

                  وإذا قيل : الفاعل كالزاني فقيل : يقتل المفعول به مطلقا . وقيل : لا يقتل ، وقيل : بالفرق كالفاعل . وسقوط الحد من مفردات أبي حنيفة .

                  وأما إلحاق النسب في تزويج المشرقية بالمغربي فهذا [13] . أيضا من مفاريد [14] . أبي حنيفة . وأصله في هذا الباب : أن النسب عنده يقصد به المال . فهو يقسم [15] . المقصود به ، فإذا ادعت امرأتان ولدا [16] . ألحقه بهما بمعنى : أنهما يقتسمان ميراثه لا بمعنى أنه خلق منهما .

                  وكذلك فيما إذا طلق المرأة قبل التمكن من وطئها ، فجعل الولد له : بمعنى أنهما يتوارثان لا بمعنى أنه خلق من مائه .

                  [ ص: 423 ] وحقيقة مذهبه [17] . أنه لا يشترط في الحكم بالنسب ثبوت الولادة الحقيقية ، بل الولد عنده للزوج الذي هو للفراش [18] . مع قطعه أنه لم يحبلها .

                  وهذا كما أنه إذا طلق إحدى امرأتيه ومات ، ولم تعرف المطلقة فإنه يقسم الميراث بينهما . وأما أحمد فإنه يقرع بينهما [19] . ، وأما الشافعي فتوقف في الأمر فلم يحكم أ ، ب : [20] . بشيء حتى يتبين له له : [21] . الأمر أو يصطلحا . وجمهور العلماء يخالفونه ويقولون : إذا علم انتفاء الولادة لم يجز إثبات النسب ولا حكم من أحكامه ، وهو يقول : قد ثبت بعض الأحكام مع انتفاء الولادة .

                  كما يقول فيما إذا قال لمملوكه الذي هو أكبر منه : أنت ابني ، يجعل ذلك كناية في عتقه لا إقرارا بنسبه . وجمهور العلماء يقولون : هو إقرار علم كذبه فيه ، فلا [22] : يثبت به شيء .

                  فالشناعة التي شنع بها على أبي حنيفة : إن كانت حقا ، فجمهور أهل السنة يوافقون عليها . وإن كانت باطلا [23] . لم تضرهم شيئا [24] . مع [ ص: 424 ] أنه يشنع تشنيع من يظن أن أبا حنيفة يقول : إن هذا الولد مخلوق من ماء هذا الرجل الذي لم يجتمع بامرأته ، وهذا لا يقوله أقل الناس عقلا ، فكيف بمثل أبي حنيفة ؟ ولكنه يثبت حكم النسب بدون الولادة ، وهو أصل انفرد به وخالفه فيه فيه : [25] . الجمهور وخطئوا من قال به .

                  ثم منهم من يثبت النسب إذا أمكن وطء الزوج لها ، كما يقوله الشافعي وكثير من أصحاب أحمد ، ومنهم من يقول : لا يثبت النسب إلا إذا دخل بها . وهذا هو القول الآخر في مذهب أحمد ، وقول [26] . مالك وغيره .

                  وكذلك مسألة حل الأنبذة [27] . قد علم أن جمهور أهل السنة يحرمون ذلك ويبالغون فيه حتى يحدون الشارب المتأول ، ولهم في فسقه قولان : مذهب [28] . مالك وأحمد في إحدى الروايتين لا يفسق ، ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى لا يفسق ، ومحمد بن الحسن يقول بالتحريم . وهذا هو المختار عند أهل الإنصاف من أصحاب أبي حنيفة ، كأبي الليث السمرقندي ونحوه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية