الثالث : أن يقال : هذه المسائل لها مأخذ عند من قالها من الفقهاء وإن كانت خطأ عند جمهورهم ، فأهل السنة أنفسهم يثبتون خطأها [1] ، فلا يخرج بيان الصواب عنهم ، كما لا يخرج الصواب عنهم [2] ، فالمخلوقات من ماء الزنا يحرمها جمهورهم ، كأبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين ، وحكى ذلك قولا ومالك للشافعي [3] .
[ ص: 421 ] لم يكن يظن أن في هذه المسائل نزاعا وأحمد [4] حتى أفتى بقتل من فعل ذلك ، والذين قالوها كالشافعي رأوا النسب منتفيا لعدم الإرث وابن الماجشون [5] ، فانتفت أحكامه كلها ، والتحريم [6] من أحكامه ، والذين أنكروها [7] قالوا : أحكام الأنساب [8] تختلف ، فيثبت لبعض الأنساب من الأحكام ما لا يثبت لبعض ، فباب التحريم يتناول ما شمله اللفظ ولو مجازا حتى تحرم بنت البنت ، بل يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فالمخلوقة من مائه أولى بالتحريم ، بخلاف الإرث فإنه يختص بمن ينسب إلى الميت من ولده ، فيثبت لولد البنين دون ولد البنات .
وأما عقده على ذوات المحارم ، فأبو حنيفة جعل ذلك شبهة تدرأ الحد لوجود صورة العقد . وأما جمهور الفقهاء فلم يجعلوا ذلك شبهة ، بل قالوا : هذا مما يوجب تغليظ الحد عقوبة [9] لكونه فعل محرمين : العقد والوطء [10] .
[ ص: 422 ] وكذلك ، أكثر السلف يوجبون قتل فاعله مطلقا ، وإن لم يكن محصنا . وقيل : إن ذلك إجماع الصحابة ، وهو مذهب اللواط أهل المدينة كمالك وغيره ، ومذهب في أصح الروايتين عنه أحمد في أحد قوليه . وعلى هذا القول والشافعي [11] . يقتل المفعول به مطلقا إذا كان بالغا . والقول الآخر أن حده حد الزاني [12] . ، وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي في أحد قوليهما . وأحمد
وإذا قيل : الفاعل كالزاني فقيل : يقتل المفعول به مطلقا . وقيل : لا يقتل ، وقيل : بالفرق كالفاعل . وسقوط الحد من مفردات . أبي حنيفة
وأما إلحاق النسب في تزويج المشرقية بالمغربي فهذا [13] . أيضا من مفاريد [14] . . وأصله في هذا الباب : أن النسب عنده يقصد به المال . فهو يقسم أبي حنيفة [15] . المقصود به ، فإذا ادعت امرأتان ولدا [16] . ألحقه بهما بمعنى : أنهما يقتسمان ميراثه لا بمعنى أنه خلق منهما .
وكذلك فيما إذا طلق المرأة قبل التمكن من وطئها ، فجعل الولد له : بمعنى أنهما يتوارثان لا بمعنى أنه خلق من مائه .
[ ص: 423 ] وحقيقة مذهبه [17] . أنه لا يشترط في الحكم بالنسب ثبوت الولادة الحقيقية ، بل الولد عنده للزوج الذي هو للفراش [18] . مع قطعه أنه لم يحبلها .
وهذا كما أنه إذا طلق إحدى امرأتيه ومات ، ولم تعرف المطلقة فإنه يقسم الميراث بينهما . وأما فإنه يقرع بينهما أحمد [19] . ، وأما فتوقف في الأمر فلم يحكم أ ، ب : الشافعي [20] . بشيء حتى يتبين له له : [21] . الأمر أو يصطلحا . وجمهور العلماء يخالفونه ويقولون : إذا علم انتفاء الولادة لم يجز إثبات النسب ولا حكم من أحكامه ، وهو يقول : قد ثبت بعض الأحكام مع انتفاء الولادة .
كما يقول فيما إذا قال لمملوكه الذي هو أكبر منه : أنت ابني ، يجعل ذلك كناية في عتقه لا إقرارا بنسبه . وجمهور العلماء يقولون : هو إقرار علم كذبه فيه ، فلا [22] : يثبت به شيء .
فالشناعة التي شنع بها على : إن كانت حقا ، فجمهور أهل السنة يوافقون عليها . وإن كانت باطلا أبي حنيفة [23] . لم تضرهم شيئا [24] . مع [ ص: 424 ] أنه يشنع تشنيع من يظن أن يقول : إن هذا الولد مخلوق من ماء هذا الرجل الذي لم يجتمع بامرأته ، وهذا لا يقوله أقل الناس عقلا ، فكيف بمثل أبي حنيفة ؟ ولكنه يثبت حكم النسب بدون الولادة ، وهو أصل انفرد به وخالفه فيه فيه : أبا حنيفة [25] . الجمهور وخطئوا من قال به .
ثم منهم من يثبت النسب إذا أمكن وطء الزوج لها ، كما يقوله وكثير من أصحاب الشافعي ، ومنهم من يقول : لا يثبت النسب إلا إذا دخل بها . وهذا هو القول الآخر في مذهب أحمد ، وقول أحمد [26] . وغيره . مالك
وكذلك مسألة حل الأنبذة [27] . قد علم أن جمهور أهل السنة يحرمون ذلك ويبالغون فيه حتى يحدون الشارب المتأول ، ولهم في فسقه قولان : مذهب [28] . مالك في إحدى الروايتين لا يفسق ، ومذهب وأحمد الشافعي في الرواية الأخرى لا يفسق ، وأحمد يقول بالتحريم . وهذا هو المختار عند أهل الإنصاف من أصحاب ومحمد بن الحسن ، أبي حنيفة كأبي الليث السمرقندي ونحوه .