الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه السادس : أن يقال : هذه الحجة التي احتج بها هذا [1] . الطوسي على أن الإمامية هم [2] . الفرقة الناجية كذب في [3] . وصفها ، كما هي باطلة في دلاتها . وذلك أن قوله : " باينوا جميع المذاهب ، وجميع المذاهب قد اشتركت في أصول العقائد " . إن أراد بذلك أنهم باينوا جميع المذاهب فيما اختصوا به ، فهذا شأن جميع المذاهب ، فإن الخوارج أيضا باينوا جميع المذاهب فيما اختصوا به من التكفير [4] . بالذنوب ، ومن تكفير علي - رضي الله عنه - ومن إسقاط طاعة الرسول فيما [ لم ] [5] . يخبر به عن الله ، وتجويز الظلم عليه في قسمه والجور في حكمه ، وإسقاط اتباع السنة المتواترة التي تخالف ما يظن أنه ظاهر القرآن ، كقطع السارق [6] . من المنكب وأمثال ذلك .

                  قال الأشعري في " المقالات " [7] . : " أجمعت [8] . الخوارج على إكفار [9] . [ ص: 461 ] علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إذ حكم " [10] . ، وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا ؟ " .

                  قال بعد الكلام السابق مباشرة 1 \ 157 : " وأجمعوا على أن كل كبيرة [11] . كفر إلا النجدات فإنها لا تقول بذلك " [12] . . وأجمعوا على أن الله يعذب أصحاب الكبائر عذابا دائما ، إلا النجدات أصحاب نجدة " .

                  وكذلك المعتزلة باينوا جميع الطوائف [13] . فيما اختصوا به من المنزلة بين المنزلتين ، وقولهم : إن أهل الكبائر يخلدون في النار وليسوا بمؤمنين ولا كفار ، فإن [14] . هذا قولهم الذي سموا به معتزلة ، فمن وافقهم فيه بعد ذلك من الزيدية فعنهم أخذوا .

                  بل الطوائف المنتسبون [15] . إلى السنة والجماعة تباين كل طائفة [16] . منهم سائر أهل السنة والجماعة فيما اختصت به ، فالكلابية باينوا سائر الناس في قولهم [17] . : إن الكلام معنى واحد ، أو معان متعددة [18] . : أربعة أو [ ص: 462 ] خمسة تقوم بذات المتكلم ، هو الأمر والنهي والخبر : إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا ، وإن عبر عنه بالعبرية [19] . كان توراة ، فإن هذا لم يقله أحد من الطوائف غيرهم .

                  وكذلك الكرامية باينوا سائر [20] . الطوائف في قولهم : إن الإيمان هو القول باللسان ، فمن أقر بلسانه كان مؤمنا ، وإن جحد بقلبه قالوا : وهو [21] . مؤمن مخلد في النار ; فإن هذا لم يقله غيرهم .

                  بل طوائف أهل السنة والعلم لكل طائفة قول لا يوافقهم عليه بقية الطوائف ، فلكل واحد من أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد مسائل تفرد بها عن الأئمة الثلاثة كثيرة .

                  وإن أراد بذلك أنهم اختصوا بجميع أقوالهم ، فليس كذلك ، فإنهم في توحيدهم [22] . موافقون للمعتزلة ، وقدماؤهم كانوا مجسمة ، وكذلك في القدر هم موافقون للمعتزلة ، فقدماؤهم [23] . كان كثير منهم يثبت القدر ، وإنكار القدر في قدمائهم أشهر من إنكار الصفات . وخروج أهل الذنوب من النار ، وعفو الله - عز وجل [24] . عن أهل الكبائر لهم فيه قولان . ومتأخروهم موافقون فيه الواقفية [25] . الذين يقولون : لا ندري هل يدخل [ ص: 463 ] النار أحد من أهل القبلة أم لا ؟ وهم طائفة من الأشعرية . وإن قالوا : إنا [26] . نجزم بأن كثيرا من أهل الكبائر يدخل النار ، فهذا [27] . قول الجمهور من أهل السنة .

                  ففي الجملة لهم أقوال اختصوا بها ، وأقوال شاركهم غيرهم فيها ، كما أن الخوارج والمعتزلة وغيرهم كذلك . وأما أهل الحديث والسنة والجماعة فقد اختصوا [28] . باتباعهم الكتاب والسنة الثابتة عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في الأصول والفروع ، وما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف الخوارج والمعتزلة والروافض ومن وافقهم في بعض أقوالهم ، فإنهم لا يتبعون الأحاديث التي رواها الثقات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يعلم أهل الحديث صحتها .

                  فالمعتزلة يقولون : هذه أخبار آحاد . وأما الرافضة فيطعنون في الصحابة ونقلهم ، وباطن أمرهم الطعن في الرسالة . والخوارج يقول قائلهم : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل ، فيجوزون على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه [29] . يظلم . ولهذا قال : النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 464 ] لأولهم [30] . " ويلك من يعدل إذا لم أعدل ؟ [31] . لقد خبت وخسرت إن لم أعدل " . [32] . . فهم جهال فارقوا السنة والجماعة عن [33] . جهل .

                  وأما الرافضة فأصل بدعتهم عن نفاق ، ولهذا فيهم من الزندقة ما ليس في الخوارج . قال الأشعري : في " المقالات " [34] : " هذه حكاية [35] . . أصحاب الحديث وأهل السنة . جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة " [36] . : الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من [37] . عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا يردون من ذلك شيئا ، وأنه إله " [38] . واحد فرد صمد ، لا إله غيره ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، وأن النار [39] حق ، وأن الساعة [ ص: 465 ] آتية [40] . لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأن الله على " [41] . عرشه كما قال : ( الرحمن على العرش استوى ) [ سورة طه : 5 ] وأن له يدين بلا كيف كما قال : ( خلقت بيدي \ 3 ) [ سورة ( ص ) : 57 ] وكما قال : ( بل يداه مبسوطتان ) [ سورة المائدة : 64 ] وساق الكلام إلى آخره .

                  فإن قال : أن مراده بالمباينة : أنهم يكفرون كل أهل دار غير دارهم [42] . ، كما أفتى غير واحد من شيوخهم بأن الدار إذا كان الظاهر فيها مذهب النصب ، مثل المسح على الخفين ، وحل شرب الفقاع ، وتحريم المتعة : كانت دار كفر ، وحكم بنجاسة ما فيها من المائعات . وإن كان الظاهر مذهب الطائفة المحقة - يعني الإمامية - حكم بطهارة [43] . ما فيها من المائعات ، وإن كان كلا الأمرين ظاهرا كانت دار وقف [ فينظر ] : فمن [44] . كان فيها من طائفتهم كان ما عنده من المائعات طاهرا ، ومن كان [45] . من غيرهم حكم بنجاسة ما عنده من المائعات .

                  قيل [46] . : هذا الوصف يشاركهم فيه الخوارج ، والخوارج في ذلك أقوى منهم ; فإن الخوارج ترى السيف ، وحروبهم مع الجماعة مشهورة ، وعندهم كل دار غير دارهم فهي دار كفر . وقد نازع [47] . بعضهم [ ص: 466 ] في التكفير العام [48] . ، كما نازع بعض الإمامية في التكفير العام [49] . ، وقد وافقوهم [50] . في أصل التكفير .

                  وأما السيف فإن الزيدية ترى السيف ، والإمامية لا تراه . قال الأشعري [51] \ 123 : وأجمعت الروافض [52] . على إبطال الخروج وإنكار السيف ولو قتلت ، حتى يظهر لها الإمام ، وحتى يأمرها [53] . بذلك .

                  قلت : ولهذا لا يغزون الكفار ولا يقاتلون مع أئمة الجماعة ، إلا من يلتزم مذهبه منهم . فقد تبين أن المباينة والمشاركة في أصول العقائد قدر مشترك بين الرافضة وغيرهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية