الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثامن : أن يقال : إن الشيعة ليس لهم قول واحد اتفقوا عليه [1] . ، فإن القول الذي ذكره هذا قول [2] . من أقوال الإمامية ، ومن الإمامية طوائف تخالف هؤلاء في التوحيد والعدل ، كما تقدم حكايته [3] . . وجمهور الشيعة تخالف الإمامية في الاثني عشر ، [ ص: 470 ] فالزيدية والإسماعيلية وغيرهم [4] . متفقون على إنكار إمامة [5] . الاثني عشر .

                  قال الناقلون لمقالات [6] . الناس [7] . : " الشيعة " [8] . ثلاثة أصناف ، وإنما قيل لهم الشيعة [9] . ; لأنهم شايعوا عليا وقدموه " [10] . على سائر أصحاب رسول الله [11] . صلى الله عليه وسلم فمنهم الغالية : سموا بذاك ; لأنهم " [12] . غلوا في علي ، وقالوا فيه قولا عظيما [13] " . " مثل اعتقادهم [14] . إلاهيته أو نبوته ، وهؤلاء أصناف متعددة ، والنصيرية منهم . والصنف الثاني من [15] . الشيعة الرافضة .

                  قال الأشعري [16] : " وطائفة سموا المقالات : وإنما سموا . رافضة [17] . لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر " [18] . " .

                  [ ص: 471 ] قلت : الصحيح أنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك ، وقد ذكر هذا أيضا الأشعري وغيره [19] .

                  قالوا [20] : " وإنما سموا الزيدية [21] . لتمسكهم بقول زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . وكان زيد [22] . بويع له بالكوفة [23] . في أيام هشام بن عبد الملك ، وكان أمير الكوفة يوسف بن عمر الثقفي ، وكان زيد يفضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب النبي [24] . - صلى الله عليه وسلم - ويتولى أبا بكر وعمر ، ويرى الخروج على أئمة الجور ، فلما ظهر بالكوفة [25] . في أصحابه الذين بايعوه وسمع [26] . من بعضهم الطعن على [27] . أبي بكر وعمر فأنكر [28] . ذلك على من سمعه منه ، فتفرق عنه الذين بايعوه [29] . فقال لهم [30] . : رفضتموني ؟ ( * قالوا : نعم . [31] " . فيقال : إنهم [ ص: 472 ] سموا رافضة [32] . ، لقول زيد بن علي [33] . لهم [34] . رفضتموني * ) [35] ، وبقي في شرذمة [36] . فقاتل يوسف بن عمر فقتل " .

                  قالوا [37] : " والرافضة مجمعون " [38] . على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه ، وأظهر ذلك وأعلنه ، وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم [39] . الاقتداء به بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف ، وأنها قرابة ، وأنه جائز للإمام في حال التقية [40] . أن يقول إنه : ليس بإمام ، وأبطلوا جميعا الاجتهاد في الأحكام ، وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس ، وزعموا أن عليا " [41] . كان مصيبا في جميع أحواله ، وأنه لم يخطئ في شيء من أمور الدين [42] . ، إلا الكاملية - أصحاب أبي كامل - فإنهم أكفروا [43] . الناس بترك الاقتداء به ، وأكفروا عليا بترك الطلب ، وأنكروا الخروج [44] . على [45] . أئمة الجور ، وقالوا : ليس يجوز ذلك دون الإمام [ ص: 473 ] المنصوص على إمامته ، وهم سوى الكاملية أربع وعشرون فرقة ، وهم يدعون الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي . فالفرقة الأولى وهم القطعية [46] . وإنما سموا القطعية [47] . ; لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر [48] . بن محمد ، وهم وجمهور الشيعة يزعمون [49] . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على إمامة علي " [50] . ، وأن عليا نص على إمامة الحسن " [51] . ، وأن الحسن نص على إمامة الحسين " [52] . ، والحسين " [53] . نص على إمامة ابنه علي بن الحسين ، وعلي " [54] . بن الحسين نص على إمامة ابنه أبي جعفر محمد " [55] . ، ومحمد نص على إمامة جعفر بن محمد [56] . ، وجعفر نص على إمامة ابنه موسى " [57] . ، وموسى نص على إمامة ابنه علي ، وعلي [ ص: 474 ] نص على إمامة ابنه محمد بن علي " [58] ، ومحمد نص على إمامة ابنه علي بن محمد [59] . ، وعلي بن محمد [60] . نص على إمامة ابنه الحسن ، والحسن نص على إمامة ابنه محمد بن الحسن ، وهو الغائب " [61] . المنتظر عندهم الذين يدعون أنه يظهر فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا " [62] . . والفرقة الثانية منهم الكيسانية " المقالات [63] . وهم إحدى عشرة فرقة [64] . ، سموا كيسانية [65] . ; لأن المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد بن الحنفية كان يقال له [ ص: 475 ] كيسان ويقال : إنه مولى لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - [66] .

                  فمن الكيسانية من يدعي أن عليا نص على إمامة محمد بن الحنفية " [67] . ; لأنه دفع إليه الراية [68] . بالبصرة .

                  ومنهم من يقول : بل الحسين نص على إمامة محمد بن الحنفية " [69] . ، ومنهم من يقول : إن محمد بن الحنفية حي بجبال رضوى : أسد " [70] . عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه ، يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه ، وزعموا أن السبب الذي من أجله صبر على هذه [71] . الحال أن يكون مغيبا عن الخلق أن لله فيه تدبيرا [72] . لا يعلمه غيره .

                  قالوا : ومن القائلين بهذا المذهب " [73] . كثير الشاعر ، وفي ذلك يقول :


                  ألا إن الأئمة من قريش ولاة الحق [74] . أربعة سواء [ ص: 476 ]      علي والثلاثة من بنيه
                  هم الأسباط ليس بهم خفاء     فسبط سبط إيمان وبر
                  وسبط غيبته كربلاء     وسبط لا يذوق الموت حتى
                  يقود الخيل يقدمها اللواء     تغيب [75] . لا يرى فيهم [76] . زمانا
                  برضوى عنده عسل وماء



                  [77] .

                  ومعلوم أن هؤلاء مع أن قولهم معلوم البطلان ضرورة ، فقول الإمامية أبطل من قولهم ; فإن هؤلاء ادعوا بقاء من كان موجودا حيا معروفا ، وأولئك ادعوا بقاء من لم يوجد بحال . ومن هؤلاء من يقول [78] . : إن محمد ابن الحنفية مات ، وإن الإمام بعده ابنه أبو هاشم عبد الله ، ثم من هؤلاء من يقول : إن أبا هاشم عبد الله [79] . أوصى إلى أخيه الحسن ، وإن الحسن أوصى إلى ابنه علي بن الحسن ، وإن عليا هلك ولم يعقب ، فهم ينتظرون رجعة محمد بن الحنفية ويقولون : إنه يرجع ويملك ، فهم [ ص: 477 ] اليوم في التيه لا إمام لهم إلى أن يرجع إليهم محمد بن الحنفية في زعمهم .

                  ومنهم من يقول : إن [80] . الإمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، [ أو أبوه علي ] [81] \ 92 . ( * قالوا : وذلك أن أبا هاشم مات بأرض الشراة [82] . منصرفه من الشام * ) [83] . ، وأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ، ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس السفاح ، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض .

                  قال [84] \ 94 : ثم رجع بعض [85] . هؤلاء عن هذا القول ، وزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماما . ثم نص العباس على إمامة ابنه عبد الله ، ونص عبد الله على إمامة ابنه علي بن عبد الله ، ثم ساقوا الإمامة إلى أن انتهوا بها [86] . إلى أبي جعفر المنصور ، وهؤلاء هم الراوندية .

                  [ ص: 478 ] وافترقت هذه الفرقة في أمر أبي مسلم على مقالتين : فزعمت [87] . فرقة منهم تدعى الرزامية أصحاب رجل يقال له : رزام أن أبا مسلم قتل . وقالت فرقة [88] . أخرى : إن أبا مسلم لم يمت " [89] . ، ويحكى عنهم الاستحلال " [90] . لما لم يحلل [91] . لهم أسلافهم .

                  ومن الكيسانية طائفة يزعمون " [92] . أن أبا هاشم نصب " [93] . عبد الله بن عمرو بن حرب إماما ، وتحولت روح أبي هاشم فيه ، ثم وقفوا على كذب عبد الله بن عمرو فصاروا إلى المدينة يلتمسون إماما ، فلقوا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، فدعاهم إلى أن يأتموا به ، فاتخذوه إماما ، وادعوا " [94] . له الوصية [95] . .

                  ثم منهم من قال : إنه مات ، ومنهم من قال : إنه لم يمت حتى يقوم ، ومنهم من قال : بل [96] . هو المهدي المبشر به ، وأنه حي بجبال أصبهان .

                  [ ص: 479 ] ومنهم من يقول : إن أبا هاشم [97] . أوصى إلى بيان بن سمعان . ومنهم من يقول : أوصى إلى علي بن الحسين . فهذه أقوال من يقول بوصول النص إلى محمد بن الحنفية ثم أبي هاشم .

                  ومن الرافضة من قال : بل النص بعد الحسين بن علي على ابنه [98] . علي بن الحسين ثم إلى ابنه أبي جعفر " [99] . ، وأن أبا جعفر أوصى إلى المغيرة بن سعيد ، فهم يأتمون به إلى أن يخرج المهدي ، والمهدي - فيما زعموا - هو محمد بن عبد الله بن الحسن " [100] . بن علي بن أبي طالب ، وزعموا أنه حي مقيم بناحية الحاجر [101] . وأنه لا يزال مقيما هناك إلى أوان خروجه .

                  ومن الرافضة من يقول : إن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي هو محمد بن عبد الله بن الحسن [102] . الخارج بالمدينة في خلافة أبي جعفر المنصور ، وقصته مشهورة [103] " . . وزعموا أنه المهدي ، وأنكروا إمامة المغيرة بن سعيد [ ص: 480 ] ومن الرافضة من قال : إن أبا جعفر أوصى إلى أبي منصور . ( * ثم من هؤلاء من قال : إنه أوصى إلى ابنه الحسن بن أبي منصور * ) [104] . [105] [106] . ومنهم من مال إلى [107] . . تثبيت أمر [108] . محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين [109] . .

                  وقالوا : إنما أوصى أبو جعفر إلى أبي منصور دون بني هاشم ، كما أوصى موسى - عليه السلام - [110] . إلى يوشع بن نون دون ولده ، ودون ولد هارون - عليه السلام - [111] . ثم إن الأمر بعد أبي منصور راجع [112] . إلى ولد علي ، كما رجع الأمر بعد يوشع " [113] . إلى ولد هارون .

                  ومنهم من قال [114] \ 97 : إن أبا جعفر نص على ابنه جعفر بن محمد ، وأن جعفرا حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره ، وهو القائم المهدي [115] . .

                  [ ص: 481 ] ومن الرافضة [116] \ 98 . من يقول : إن جعفر بن محمد مات ، وإن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل ، وأنكروا أن يكون إسماعيل مات في حياة أبيه ، وقالوا : لا يموت حتى يملك ; لأن أباه قد كان يخبر أنه وصيه والإمام بعده .

                  ومن الرافضة القرامطة : يزعمون أن خلافة النبي - صلى الله عليه وسلم - اتصلت بالنص إلى جعفر [117] . ، كما يقوله الاثنا عشرية ، وأن جعفرا [118] . نص على إمامة ابن ابنه محمد بن إسماعيل ، وزعموا أن محمد بن إسماعيل حي إلى اليوم - يعني إلى أوائل المائة الرابعة ] [119] . لم يمت ولا يموت حتى [120] . يملك الأرض ، وأنه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به . واحتجوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم ، يخبرون فيها [121] . أن سابع الأئمة قائمهم .

                  وهؤلاء [122] . يقال لهم : السبعية كما يقال لأولئك : الاثنا عشرية وهؤلاء ذكر المصنفون [123] . مقالاتهم في أوائل الأمر قبل المائة الرابعة ، قبل ظهورهم بالمغرب [124] . والقاهرة ، فإن هؤلاء انتشر من

                  أمرهم في أثناء المائة [ ص: 482 ] الرابعة وبعدها ما يطول وصفه ، وظهر فيهم من الزندقة والإلحاد ما لم يعهد مثله لا في الغلاة ولا غيرهم .

                  ومن بقايا هؤلاء الملاحدة الذين كانوا بخراسان والشام وغيرهما ، وكان أهل بيت ابن سينا من المستجيبين [125] . لدعوتهم زمن الحاكم . وكذلك هذا الطوسي وأمثاله [126] . من أعوانهم ، وكذلك سنان وغيره .

                  وأذكياؤهم يعلمون كذبهم وجهلهم ، ولكن بسبب خدمتهم يحصل لهم من الرياسة والمال والشهوات ما لا يحصل بدون ذلك ، فهم يعاونونهم كما يعاون [127] . أمثالهم من أهل الكذب والظلم ، لتنال بهم الأغراض .

                  ومن الرافضة من يقول : إنها في ولد محمد بن إسماعيل ، ومنهم من يقول : إنها في ولد [128] . محمد بن جعفر بن محمد ، لا في إسماعيل وابنه ، ولا في موسى بن جعفر ، ومنهم من يقول : إنها في ابنه عبد الله بن جعفر ، وكان أكبر من خلف من ولده . [129] \ 99 : وهؤلاء يقال لهم : الفطحية [130] . ; لأن عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين ، قالوا : وهؤلاء عدد كثير .

                  [ ص: 483 ] ومن الرافضة من يقول بإمامة موسى بن جعفر بن محمد بعد أبيه ، ولكن يقول : إن موسى بن جعفر [131] . حي لم يمت ولا يموت حتى يملك مشرق الأرض ومغربها . وهذا الصنف يدعون الواقفة [132] ; لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه ، ويسمون الممطورة ; لأن يونس بن عبد الرحمن ناظرهم ، فقال : أنتم أهون علي [133] . من الكلاب الممطورة [134] . ، فلزمهم هذا اللقب " [135] . .

                  ومنهم قوم وقفوا [136] \ 101 في أمر موسى بن جعفر ، فقالوا : لا ندري أمات أم لم يمت .

                  ومنهم من يقول : إن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه أحمد [137] . .

                  ومن الرافضة من قال : إن بعد محمد بن الحسن المنتظر عند الاثني [ ص: 484 ] عشرية إماما آخر هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا [138] . عدلا ويقمع الظلم . " [139] .

                  فهذا بعض اختلاف الرافضة القائلين بالنص ، فإذا كانوا أعظم تباينا واختلافا من سائر طوائف الأمة ، امتنع أن تكون هي الطائفة الناجية ; لأن أقل ما في الطائفة الناجية أن تكون متفقة في أصول دينها كاتفاق أهل السنة والجماعة على أصول دينهم .

                  وهؤلاء الإمامية الاثنا عشرية يقولون : إن أصول الدين [140] . أربعة : التوحيد والعدل والنبوة والإمامة . وهم مختلفون في التوحيد والعدل والإمامة . وأما النبوة فغايتهم أن يكونوا مقرين بها كإقرار سائر [141] . الأمة . ( * واختلافهم في الإمامة أعظم من اختلاف سائر الأمة * ) [142] . فإن قالت الاثنا عشرية : نحن أكثر من هذه الطوائف ، فيكون الحق معنا [ ص: 485 ] دونهم [143] . قيل : لهم وأهل السنة أكثر منكم ، فيكون الحق معهم دونكم ، فغايتكم أن تكون سائر فرق الإمامية [144] . معكم بمنزلتكم مع سائر المسلمين ، والإسلام هو دين الله الذي يجمع أهل الحق [145] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية