الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الثاني [1] . : أن هذا المثل إنما كان كان : [2] . يكون مطابقا لو ثبت مقدمتان : إحداهما : أن لنا إماما معصوما . والثانية : أنه أمر بكذا وكذا . [3] . المقدمتين غير معلومة ، بل باطلة . دع المقدمة الأولى ، بل الثانية ، فإن الأئمة [4] . الذين يدعى فيهم العصمة قد ماتوا منذ سنين [ ص: 489 ] كثيرة ، والمنتظر له غائب [5] . أكثر من أربعمائة وخمسين سنة ، وعند آخرين هو معدوم لم يوجد . والذين يطاعون [6] . شيوخ [7] . من شيوخ الرافضة ، أو كتب صنفها بعض شيوخ الرافضة ، وذكروا أن ما فيها منقول عن أولئك المعصومين . وهؤلاء الشيوخ المصنفون [8] . ليسوا معصومين بالاتفاق ، ولا مقطوعا لهم بالنجاة .

                  فإذا الرافضة لا يتبعون إلا أئمة لا يقطعون بنجاتهم ولا سعادتهم ، فلم يكونوا قاطعين لا [9] . بنجاتهم ، ولا بنجاة أئمتهم الذين يباشرونهم بالأمر والنهي ، وهم أئمتهم حقا حقا : ساقطة من ( أ ) ، ( ب ) . ، وإنما هم في انتسابهم إلى أولئك الأئمة بمنزلة كثير [10] من أتباع شيوخهم الذين ينتسبون إلى شيخ قد مات من مدة ولا يدرون [11] . بماذا أمر [12] ، ولا بماذا نهى ، بل له [13] أتباع يأكلون أموالهم بالباطل ويصدون عن سبيل الله ، ( * يأمرونهم بالغلو في ذلك الشيخ وفي خلفائه ، وأن يتخذوهم أربابا ، وكما تأمر شيوخ الشيعة [ ص: 490 ] أتباعهم ، وكما تأمر شيوخ النصارى أتباعهم ، فهم يأمرونهم بالإشراك بالله وعبادة غير الله ، ويصدونهم عن سبيل الله * ) [14] ، فيخرجون عن حقيقة شهادة [15] أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن حقيقة التوحيد أن نعبد الله وحده ، فلا يدعى إلا هو ، ولا يخشى إلا هو ، ولا يتقى إلا هو [16] ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يكون الدين إلا له ، لا لأحد من الخلق ، وأن لا نتخذ الملائكة والنبيين أربابا ، فكيف بالأئمة والشيوخ والعلماء والملوك وغيرهم ؟ !

                  والرسول - [17] هو المبلغ عن الله أمره ونهيه ، فلا يطاع مخلوق طاعة مطلقة إلا هو ، فإذا جعل الإمام والشيخ كأنه إله يدعى مع مغيبة وبعد موته [18] ، ويستغاث به ، ويطلب منه الحوائج والطاعة إنما هي لشخص حاضر يأمر بما يريد ، وينهى عما يريد [19] كان [20] الميت مشبها بالله تعالى [21] . ، والحي مشبها برسول الله - [22] ، فيخرجون عن حقيقة الإسلام الذي أصله شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن [23] محمدا رسول الله .

                  [ ص: 491 ] ثم إن كثيرا منهم يتعلقون بحكايات تنقل عن ذلك الشيخ ، وكثير منها كذب عليه ، وبعضها خطأ منه ، فيعدلون عن النقل الصدق عن القائل المعصوم إلى نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم . فإذا كان هؤلاء مخطئين في هذا [24] ، فالشيعة أكثر وأعظم خطأ ; لأنهم أعظم كذبا فيما ينقلونه [25] عن الأئمة ، وأعظم غلوا في دعوى عصمة الأئمة .

                  وإذا كان الواحد من هؤلاء أتباع [26] الشيوخ الأحياء المضلين الغالين في شيخ قد مات ، مخطئين في قطعهم بالنجاة ، فخطأ الشيعة في قطعهم بالنجاة أعظم وأعظم ، وإن قدر أن طريق الشيعة صواب لما فيه من القطع والجزم بالنجاة ، فطريق المشايخية [27] صواب لما فيه من القطع بالنجاة [28] ، وحينئذ فيكون [29] طريق من يعتقد أن يزيد بن معاوية [30] كان من الأنبياء الذين يشربون الخمر ، وأن الخمر حلال له ; لأنه [31] شربها الأنبياء ، ويزيد كان منهم طريقا صوابا . وإذا كان يزيد نبيا ، كان من خرج على نبي كافرا ، فيلزم من ذلك كفر الحسين وغيره ، ويلزم من ذلك أن يكون طريق من يقول : كل رزق لا يرزقنيه الشيخ لا أريده - طريقا [ ص: 492 ] صحيحا . وطريق من يقول : إن الله ينزل إلى الأرض ، و [ إن ] كل مسجد فإن الله [ قد ] وضع قدمه عليه [32] ، و : وكل مسجد وضع قدميه عليه . طريقا صحيحا . وطريق من يقول :


                  على الدرة البيضاء كان اجتماعنا وفي قاب قوسين اجتماع الأحبة

                  طريقا صحيحا . وطريق من يقول [33] : إن شيخه قد أسقط عنه الصلاة طريقا صحيحا ، وأمثال هذه الضلالات التي توجد في كثير من العامة أتباع المشايخ .

                  فإن كثيرا من هؤلاء [34] جازمون بنجاتهم وسعادة مشايخهم ، أعظم من قطع الاثني عشرية للأئمة وأتباعهم . فإن كان ما ذكره من اتباع الجازم بالنجاة واجبا ، وجب اتباع هؤلاء . ومن جملة اتباع [35] هؤلاء القدح في الشيعة وإبطال طريقتهم [36] ، فيلزم من اتباع الجازم إبطال قول الشيعة ، وإن لم يكن اتباع الجازم مطلقا طريقا صحيحا بطلت حجته .

                  وكذلك يقال لهؤلاء وهؤلاء [37] : إن كان اتباع أهل الجزم أولى بالاتباع من طريقة الذين يأمرون بطاعة الله ورسوله ، ( * ويتبعون أهل [ ص: 493 ] العلم والدين فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله * ) [38] ، ولا يوجبون طاعة معين إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يضمنون السعادة إلا لمن أطاع الله ورسوله ، ويقولون [39] : إن من سواه يخطئ ويصيب فلا يطاع مطلقا ، فإن كان [40] اتباع هؤلاء نقصا وخطأ والصواب اتباع أهل الجزم مطلقا ، وجب اتباع شيعة الأئمة المعصومين وشيعة المشايخ المحفوظين . وشيعة هؤلاء يقدحون في هؤلاء ، وشيعة هؤلاء يقدحون في هؤلاء ، فيلزم أن يكون كل من الطريقين [41] باطلا حقا [42] ، وهذا جمع بين النقيضين . وهذا إنما لزم لأن الأصل فاسد ؛ وهو اتباع من يجزم بلا علم ولا دليل ، فكل من جعل اتباع الشيخ الجازم والمجازف بلا حجة [43] . ولا دليل ، أو الإمامي الجازم المجازف [44] بالنجاة بلا حجة ولا دليل مما [45] يجب اتباعه ، لزم تناقض أقوالهم ، بخلاف الأقوال التي ترجع إلى أصل صحيح فإنها لا تتناقض [46] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية