فإذا الرافضة لا يتبعون إلا أئمة لا يقطعون بنجاتهم ولا سعادتهم ، فلم يكونوا قاطعين لا [9] . بنجاتهم ، ولا بنجاة أئمتهم الذين يباشرونهم بالأمر والنهي ، وهم أئمتهم حقا حقا : ساقطة من ( أ ) ، ( ب ) . ، وإنما هم في انتسابهم إلى أولئك الأئمة بمنزلة كثير [10] من أتباع شيوخهم الذين ينتسبون إلى شيخ قد مات من مدة ولا يدرون [11] . بماذا أمر [12] ، ولا بماذا نهى ، بل له [13] أتباع يأكلون أموالهم بالباطل ويصدون عن سبيل الله ، ( * يأمرونهم بالغلو في ذلك الشيخ وفي خلفائه ، وأن يتخذوهم أربابا ، وكما تأمر شيوخ الشيعة [ ص: 490 ] أتباعهم ، وكما تأمر شيوخ النصارى أتباعهم ، فهم يأمرونهم بالإشراك بالله وعبادة غير الله ، ويصدونهم عن سبيل الله * ) [14] ، فيخرجون عن حقيقة شهادة [15] أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن أن نعبد الله وحده ، فلا يدعى إلا هو ، ولا يخشى إلا هو ، ولا يتقى إلا هو حقيقة التوحيد [16] ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يكون الدين إلا له ، لا لأحد من الخلق ، وأن لا نتخذ الملائكة والنبيين أربابا ، فكيف بالأئمة والشيوخ والعلماء والملوك وغيرهم ؟ !
والرسول - [17] هو المبلغ عن الله أمره ونهيه ، فلا يطاع مخلوق طاعة مطلقة إلا هو ، فإذا جعل الإمام والشيخ كأنه إله يدعى مع مغيبة وبعد موته [18] ، ويستغاث به ، ويطلب منه الحوائج والطاعة إنما هي لشخص حاضر يأمر بما يريد ، وينهى عما يريد [19] كان [20] الميت مشبها بالله تعالى [21] . ، والحي مشبها برسول الله - [22] ، فيخرجون عن حقيقة الإسلام الذي أصله شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن [23] محمدا رسول الله .
[ ص: 491 ] ثم إن كثيرا منهم يتعلقون بحكايات تنقل عن ذلك الشيخ ، وكثير منها كذب عليه ، وبعضها خطأ منه ، فيعدلون عن النقل الصدق عن القائل المعصوم إلى نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم . فإذا كان هؤلاء مخطئين في هذا [24] ، فالشيعة أكثر وأعظم خطأ ; لأنهم أعظم كذبا فيما ينقلونه [25] عن الأئمة ، وأعظم غلوا في دعوى عصمة الأئمة .
وإذا كان الواحد من هؤلاء أتباع [26] الشيوخ الأحياء المضلين الغالين في شيخ قد مات ، مخطئين في قطعهم بالنجاة ، فخطأ الشيعة في قطعهم بالنجاة أعظم وأعظم ، وإن قدر أن طريق الشيعة صواب لما فيه من القطع والجزم بالنجاة ، فطريق المشايخية [27] صواب لما فيه من القطع بالنجاة [28] ، وحينئذ فيكون [29] طريق من يعتقد أن يزيد بن معاوية [30] كان من الأنبياء الذين يشربون الخمر ، وأن الخمر حلال له ; لأنه [31] شربها الأنبياء ، ويزيد كان منهم طريقا صوابا . وإذا كان يزيد نبيا ، كان من خرج على نبي كافرا ، فيلزم من ذلك كفر وغيره ، ويلزم من ذلك أن يكون طريق من يقول : كل رزق لا يرزقنيه الشيخ لا أريده - طريقا [ ص: 492 ] صحيحا . وطريق من يقول : إن الله ينزل إلى الأرض ، و [ إن ] كل مسجد فإن الله [ قد ] وضع قدمه عليه الحسين [32] ، و : وكل مسجد وضع قدميه عليه . طريقا صحيحا . وطريق من يقول :
على الدرة البيضاء كان اجتماعنا وفي قاب قوسين اجتماع الأحبة
فإن كثيرا من هؤلاء [34] جازمون بنجاتهم وسعادة مشايخهم ، أعظم من قطع الاثني عشرية للأئمة وأتباعهم . فإن كان ما ذكره من اتباع الجازم بالنجاة واجبا ، وجب اتباع هؤلاء . ومن جملة اتباع [35] هؤلاء القدح في الشيعة وإبطال طريقتهم [36] ، فيلزم من اتباع الجازم إبطال قول الشيعة ، وإن لم يكن اتباع الجازم مطلقا طريقا صحيحا بطلت حجته .
وكذلك يقال لهؤلاء وهؤلاء [37] : إن كان اتباع أهل الجزم أولى بالاتباع من طريقة الذين يأمرون بطاعة الله ورسوله ، ( * ويتبعون أهل [ ص: 493 ] العلم والدين فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله * ) [38] ، ولا يوجبون طاعة معين إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يضمنون السعادة إلا لمن أطاع الله ورسوله ، ويقولون [39] : إن من سواه يخطئ ويصيب فلا يطاع مطلقا ، فإن كان [40] اتباع هؤلاء نقصا وخطأ والصواب اتباع أهل الجزم مطلقا ، وجب اتباع شيعة الأئمة المعصومين وشيعة المشايخ المحفوظين . وشيعة هؤلاء يقدحون في هؤلاء ، وشيعة هؤلاء يقدحون في هؤلاء ، فيلزم أن يكون كل من الطريقين [41] باطلا حقا [42] ، وهذا جمع بين النقيضين . وهذا إنما لزم لأن الأصل فاسد ؛ وهو اتباع من يجزم بلا علم ولا دليل ، فكل من جعل اتباع الشيخ الجازم والمجازف بلا حجة [43] . ولا دليل ، أو الإمامي الجازم المجازف [44] بالنجاة بلا حجة ولا دليل مما [45] يجب اتباعه ، لزم ، بخلاف الأقوال التي ترجع إلى أصل صحيح فإنها لا تتناقض تناقض أقوالهم [46] .