الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه الرابع : أن يقال : قوله [1] " إنهم جازمون بحصول النجاة لهم دون أهل السنة " كذب كذب : [2] ، فإنه إن أراد بذلك أن كل واحد ممن [ ص: 496 ] اعتقد اعتقادهم يدخل الجنة ، وإن ترك الواجبات وفعل المحرمات ، فليس هذا قول الإمامية ، ولا يقوله عاقل .

                  وإن كان [3] حب علي حسنة لا يضر معها سيئة ، فلا [4] يضره ترك الصلوات ، ولا الفجور بالعلويات [5] ولا نيل أغراضه بسفك دماء [6] بني هاشم إذا كان يحب عليا .

                  فإن قالوا : المحبة الصادقة تستلزم الموافقة ، عاد الأمر إلى أنه لا بد من أداء الواجبات وترك المحرمات . وإن أراد بذلك أنهم يعتقدون أن كل من اعتقد الاعتقاد الصحيح وأدى الواجبات وترك المحرمات يدخل [7] الجنة ، فهذا اعتقاد أهل السنة ; فإنهم يجزمون [8] بالنجاة لكل من اتقى الله ، كما نطق به القرآن . وإنما يتوقفون في الشخص المعين [9] لعدم العلم [10] بدخوله في المتقين ، فإنه إذا علم [11] أنه مات على التقوى علم أنه من أهل الجنة . ولهذا يشهدون بالجنة لمن شهد له الرسول [ صلى [ ص: 497 ] الله عليه وسلم ] [12] ولهم فيمن استفاض في الناس حسن الثناء عليه قولان .

                  فتبين أنه ليس في الإمامية جزم محمود اختصوا به عن أهل السنة والجماعة . وإن قالوا : إنا [13] نجزم لكل شخص رأيناه ملتزما للواجبات عندنا تاركا للمحرمات ، بأنه من أهل الجنة من غير أن يخبرنا بباطنه معصوم . قيل : هذه المسألة لا تتعلق بالإمامية بل إن كان إلى هذا طريق صحيح فهو طريق لأهل [14] السنة ، وهم بسلوكه أحذق ، وإن لم يكن هنا [15] طريق صحيح إلى ذلك ، كان ذلك قولا بلا علم ، فلا [16] فضيلة فيه بل في عدمه .

                  ففي الجملة لا يدعون علما صحيحا إلا وأهل السنة أحق به ، وما ادعوه من الجهل فهو نقص ، وأهل السنة أبعد عنه .

                  والقول بكون الرجل المعين من أهل الجنة قد يكون سببه إخبار المعصوم ، وقد يكون سببه تواطؤ شهادات[17] المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض .

                  [ ص: 498 ] كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مر عليه بجنازة ، فأثنوا عليها خيرا فقال : " وجبت وجبت " . ومر عليه بجنازة ، فأثنوا عليها عليها : [18] . شرا فقال : " وجبت وجبت " . فقالوا : يا رسول الله ما قولك : وجبت وجبت ؟ قال : " هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا ، فقلت : وجبت لها الجنة . وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا ، فقلت : " وجبت لها النار ، أنتم شهداء الله في الأرض " [19] . .

                  وفي المسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار " قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : " بالثناء الحسن والثناء السيئ " [20]

                  [ ص: 499 ] وقد يكون سبب ذلك تواطؤ رؤيا المؤمنين [21] فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لم يبق بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة ، يراها الرجل المؤمن الصالح [22] أو ترى له " [23] .

                  وسئل عن قوله تعالى : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) [ سورة يونس : 64 ] قال : " هي الرؤيا الصالحة [24] يراها الرجل الصالح أو ترى له " [25] .

                  وقد فسرها أيضا بثناء المؤمنين ، فقيل : يا رسول الله ، الرجل يعمل [ ص: 500 ] العمل لنفسه فيحمده الناس عليه . فقال : " تلك عاجل بشرى المؤمن " [26] .

                  والرؤيا قد تكون من الله ، وقد تكون من حديث النفس ، وقد تكون من الشيطان ، فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على أمر كان حقا ، كما إذا تواطأت رواياتهم أو رأيهم [27] فإن الواحد [28] قد يغلط أو يكذب ، وقد يخطئ في الرأي [29] ، أو يتعمد الباطل ، فإذا اجتمعوا لم يجتمعوا على ضلالة ، وإذا تواترت الروايات [30] أورثت العلم ، وكذلك الرؤيا

                  [31] قال : النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في السبع الأواخر ، فمن كان منكم متحريها [32] . ، فليتحرها في السبع الأواخر " [33]

                  [ ص: 501 ] وهذه الأسباب كلها عند أهل السنة أكمل وأتم مما هي عند الشيعة ، فلا طريق لهم إلى العلم بالسعادة وحصولها ، إلا وذلك [34] الطريق أكمل لأهل السنة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية