الوجه الرابع : أن يقال : قوله [1] " " كذب كذب : إنهم جازمون بحصول النجاة لهم دون أهل السنة [2] ، فإنه إن أراد بذلك أن كل واحد ممن [ ص: 496 ] اعتقد اعتقادهم يدخل الجنة ، وإن ترك الواجبات وفعل المحرمات ، فليس هذا قول الإمامية ، ولا يقوله عاقل .
وإن كان [3] حب علي حسنة لا يضر معها سيئة ، فلا [4] يضره ترك الصلوات ، ولا الفجور بالعلويات [5] ولا نيل أغراضه بسفك دماء [6] بني هاشم إذا كان يحب عليا .
فإن قالوا : المحبة الصادقة تستلزم الموافقة ، عاد الأمر إلى أنه لا بد من أداء الواجبات وترك المحرمات . وإن أراد بذلك أنهم يعتقدون أن كل من اعتقد الاعتقاد الصحيح وأدى الواجبات وترك المحرمات يدخل [7] الجنة ، فهذا اعتقاد أهل السنة ; فإنهم يجزمون [8] بالنجاة لكل من اتقى الله ، كما نطق به القرآن . وإنما يتوقفون في الشخص المعين [9] لعدم العلم [10] بدخوله في المتقين ، فإنه إذا علم [11] أنه مات على التقوى علم أنه من أهل الجنة . ولهذا يشهدون بالجنة لمن شهد له الرسول [ صلى [ ص: 497 ] الله عليه وسلم ] [12] ولهم فيمن استفاض في الناس حسن الثناء عليه قولان .
فتبين أنه ليس في الإمامية جزم محمود اختصوا به عن أهل السنة والجماعة . وإن قالوا : إنا [13] نجزم لكل شخص رأيناه ملتزما للواجبات عندنا تاركا للمحرمات ، بأنه من أهل الجنة من غير أن يخبرنا بباطنه معصوم . قيل : هذه المسألة لا تتعلق بالإمامية بل إن كان إلى هذا طريق صحيح فهو طريق لأهل [14] السنة ، وهم بسلوكه أحذق ، وإن لم يكن هنا [15] طريق صحيح إلى ذلك ، كان ذلك قولا بلا علم ، فلا [16] فضيلة فيه بل في عدمه .
ففي الجملة لا يدعون علما صحيحا إلا وأهل السنة أحق به ، وما ادعوه من الجهل فهو نقص ، وأهل السنة أبعد عنه .
والقول بكون الرجل المعين من أهل الجنة قد يكون سببه إخبار المعصوم ، وقد يكون سببه تواطؤ شهادات[17] المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض .
[ ص: 498 ] كما في الصحيح [18] . شرا فقال : " وجبت وجبت " . فقالوا : يا رسول الله ما قولك : وجبت وجبت ؟ قال : " هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا ، فقلت : وجبت لها الجنة . وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا ، فقلت : " وجبت لها النار ، أنتم شهداء الله في الأرض " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مر عليه بجنازة ، فأثنوا عليها خيرا فقال : " وجبت وجبت " . ومر عليه بجنازة ، فأثنوا عليها عليها : [19] . .
وفي المسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار " قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : " بالثناء الحسن والثناء السيئ " [20]
[ ص: 499 ] وقد يكون سبب ذلك تواطؤ رؤيا المؤمنين [21] فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " [22] أو ترى له " لم يبق بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة ، يراها الرجل المؤمن الصالح [23] .
لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) [ سورة يونس : 64 ] قال : " هي الرؤيا الصالحة [24] يراها الرجل الصالح أو ترى له " وسئل عن قوله تعالى : ( [25] .
وقد فسرها أيضا بثناء المؤمنين ، فقيل : يا رسول الله ، الرجل يعمل [ ص: 500 ] العمل لنفسه فيحمده الناس عليه . فقال : " تلك عاجل بشرى المؤمن " [26] .
كما إذا تواطأت رواياتهم أو رأيهم والرؤيا قد تكون من الله ، وقد تكون من حديث النفس ، وقد تكون من الشيطان ، فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على أمر كان حقا ، [27] فإن الواحد [28] قد يغلط أو يكذب ، وقد يخطئ في الرأي [29] ، أو يتعمد الباطل ، فإذا اجتمعوا لم يجتمعوا على ضلالة ، وإذا تواترت الروايات [30] أورثت العلم ، وكذلك الرؤيا
[31] قال : النبي - صلى الله عليه وسلم - : " [32] . ، فليتحرها في السبع الأواخر " أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في السبع الأواخر ، فمن كان منكم متحريها [33]
[ ص: 501 ] وهذه الأسباب كلها عند أهل السنة أكمل وأتم مما هي عند الشيعة ، فلا طريق لهم إلى العلم بالسعادة وحصولها ، إلا وذلك [34] الطريق أكمل لأهل السنة .