الرابع : أنه بتقدير [1] أن يكون المراد بالكثير في الآية ثلاثا وثمانين ، فهذا لا يقتضي اختصاص [2] هذا القدر بذلك ، فإن . لفظ " الكثير " لفظ عام يتناول الألف والألفين والآلاف ، وإذا عم أنواعا من المقادير ، فتخصيص بعض المقادير دون بعض تحكم
الخامس : أن الله تعالى قال : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) [ سورة البقرة : 245 ] ، والله يضاعف الحسنة إلى [ ص: 83 ] سبعمائة ضعف بنص القرآن وقد ورد [3] أنه يضاعفها ألفي ألف حسنة فقد سمى هذه الأضعاف كثيرة ، وهذه المواطن كثيرة .
وقد قال تعالى : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) والكثرة هاهنا تتناول أنواعا من المقادير لأن [4] الفئات المعلومة مع الكثرة لا تحصر [5] في عدد معين وقد تكون الفئة القليلة ألفا والفئة الكثيرة ثلاثة آلاف فهي قليلة بالنسبة إلى كثرة عدد الأخرى .
وقد قال تعالى : ( إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم ) [ سورة الأنفال : 43 ] . ومعلوم أن الله أراه أهل بدر أكثر من مائة ، وقد سمى ذلك قليلا بالنسبة والإضافة .
وهذا كله مما يبين أن القلة والكثرة أمر إضافي . ولهذا تنازع الفقهاء فيما إذا قال له : " علي مال عظيم أو خطير أو كثير أو جليل " هل يرجع في تفسيره إليه فيفسره [6] بما يتمول ؟ كقول وطائفة من أصحاب الشافعي أو لا يقبل أحمد [7] تفسيره إلا بما له قدر خطير [8] كقول أبي حنيفة وبعض أصحاب ومالك على قولين ، وأصحاب القول الثاني منهم من قدره بنصاب السرقة ، ومنهم من قدره بنصاب الزكاة ، ومنهم من قدره بالدية . وهذا النزاع في الإقرار لأنه خبر ، والخبر عن أمر ماض قد علمه المقر . أحمد
[ ص: 84 ] وأما المسألة المذكورة فهي إنشاء ، كما لو أوصى له بدراهم كثيرة . والأرجح في مثل هذا أن يرجع إلى عرف المتكلم ، فما كان يسميه مثله كثيرا ، حمل مطلق كلامه على أقل محملاته [9] . والخليفة إذا قال : " دراهم كثيرة " في نذر نذره ، لم يكن عرفه في مثل هذا مائة درهم ونحوها ، بل هو يستقل هذا ولا يستكثره ، بل إذا حمل [ كلامه ] [10] على مقدار الدية اثني عشر ألف درهم ، كان هذا أولى من حمله على ما دون ذلك ، واللفظ يحتمل أكثر من ذلك ، لكن هذا مقدار النفس المسلمة في الشرع ، ولا يكون عوض المسلم إلا كثيرا .
والخليفة يحمل الكثير منه على ما لا يحمل الكثير من آحاد العامة ، فإن صاحب ألف درهم إذا قال : أعطوا هذا دراهم كثيرة ، احتمل عشرة وعشرين ونحو ذلك [11] بحسب حاله . فمعنى القليل والكثير هو من الأمور النسبية الإضافية ، كالعظيم والحقير يتنوع بتنوع الناس ، فيحمل كلام كل إنسان على ما هو المناسب لحاله [12] في ذلك المقام .
والحكاية التي ذكرها عن المسعودي منقطعة الإسناد . [ وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله تعالى ، فكيف يوثق بحكاية منقطعة الإسناد ] [13] في كتاب قد عرف بكثرة الكذب ؟ [14] مع أنه ليس فيها [ ص: 85 ] الفضيلة إلا ما يوجد في كثير من عامة المسلمين ، ويوجد فيهم ما هو أعظم منها .