الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الرابع : أنه بتقدير [1] أن يكون المراد بالكثير في الآية ثلاثا وثمانين ، فهذا لا يقتضي اختصاص [2] هذا القدر بذلك ، فإن لفظ " الكثير " لفظ عام يتناول الألف والألفين والآلاف ، وإذا عم أنواعا من المقادير ، فتخصيص بعض المقادير دون بعض تحكم .

                  الخامس : أن الله تعالى قال : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) [ سورة البقرة : 245 ] ، والله يضاعف الحسنة إلى [ ص: 83 ] سبعمائة ضعف بنص القرآن وقد ورد [3] أنه يضاعفها ألفي ألف حسنة فقد سمى هذه الأضعاف كثيرة ، وهذه المواطن كثيرة .

                  وقد قال تعالى : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) والكثرة هاهنا تتناول أنواعا من المقادير لأن [4] الفئات المعلومة مع الكثرة لا تحصر [5] في عدد معين وقد تكون الفئة القليلة ألفا والفئة الكثيرة ثلاثة آلاف فهي قليلة بالنسبة إلى كثرة عدد الأخرى .

                  وقد قال تعالى : ( إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم ) [ سورة الأنفال : 43 ] . ومعلوم أن الله أراه أهل بدر أكثر من مائة ، وقد سمى ذلك قليلا بالنسبة والإضافة .

                  وهذا كله مما يبين أن القلة والكثرة أمر إضافي . ولهذا تنازع الفقهاء فيما إذا قال له : " علي مال عظيم أو خطير أو كثير أو جليل " هل يرجع في تفسيره إليه فيفسره [6] بما يتمول ؟ كقول الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد أو لا يقبل [7] تفسيره إلا بما له قدر خطير [8] كقول أبي حنيفة ومالك وبعض أصحاب أحمد على قولين ، وأصحاب القول الثاني منهم من قدره بنصاب السرقة ، ومنهم من قدره بنصاب الزكاة ، ومنهم من قدره بالدية . وهذا النزاع في الإقرار لأنه خبر ، والخبر عن أمر ماض قد علمه المقر .

                  [ ص: 84 ] وأما المسألة المذكورة فهي إنشاء ، كما لو أوصى له بدراهم كثيرة . والأرجح في مثل هذا أن يرجع إلى عرف المتكلم ، فما كان يسميه مثله كثيرا ، حمل مطلق كلامه على أقل محملاته [9] . والخليفة إذا قال : " دراهم كثيرة " في نذر نذره ، لم يكن عرفه في مثل هذا مائة درهم ونحوها ، بل هو يستقل هذا ولا يستكثره ، بل إذا حمل [ كلامه ] [10] على مقدار الدية اثني عشر ألف درهم ، كان هذا أولى من حمله على ما دون ذلك ، واللفظ يحتمل أكثر من ذلك ، لكن هذا مقدار النفس المسلمة في الشرع ، ولا يكون عوض المسلم إلا كثيرا .

                  والخليفة يحمل الكثير منه على ما لا يحمل الكثير من آحاد العامة ، فإن صاحب ألف درهم إذا قال : أعطوا هذا دراهم كثيرة ، احتمل عشرة وعشرين ونحو ذلك [11] بحسب حاله . فمعنى القليل والكثير هو من الأمور النسبية الإضافية ، كالعظيم والحقير يتنوع بتنوع الناس ، فيحمل كلام كل إنسان على ما هو المناسب لحاله [12] في ذلك المقام .

                  والحكاية التي ذكرها عن المسعودي منقطعة الإسناد . [ وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله تعالى ، فكيف يوثق بحكاية منقطعة الإسناد ] [13] في كتاب قد عرف بكثرة الكذب ؟ [14] مع أنه ليس فيها [ ص: 85 ] الفضيلة إلا ما يوجد في كثير من عامة المسلمين ، ويوجد فيهم ما هو أعظم منها .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية