الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل [1] .

                  قال الرافضي [2] : " وولده [3] مولانا المهدي [ محمد ] [4] عليه السلام . روى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي [5] وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض عدلا [6] ، كما ملئت [ ص: 87 ] جورا " [7] فذلك هو المهدي [8] .

                  فيقال : قد ذكر محمد بن جرير الطبري ، وعبد الباقي بن قانع [9] وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ : أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب . والإمامية الذين يزعمون أنه كان له ولد يدعون أنه دخل السرداب بسامرا وهو صغير . منهم من قال : عمره سنتان ، ومنهم من [ ص: 88 ] قال : ثلاث ، ومنهم من قال : خمس سنين [10] وهذا لو كان موجودا معلوما ، لكان الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والإجماع [ ص: 89 ] أن يكون محضونا عند من يحضنه في بدنه ، كأمه ، وأم أمه ، ونحوهما من أهل الحضانة ، وأن يكون ماله عند من يحفظه : إما وصي أبيه إن كان له وصي ، وإما غير [ الوصي ] : [11] إما قريب ، وإما نائب لدى السلطان [12] ، فإنه يتيم لموت أبيه .

                  والله تعالى يقول : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ) [ سورة النساء : 6 ] ، فهذا لا يجوز تسليم ماله إليه حتى يبلع النكاح ويؤنس منه الرشد ، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه ، فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في بدنه وماله إماما لجميع المسلمين معصوما ، لا يكون أحد مؤمنا إلا بالإيمان به ؟ ! .

                  ثم إن [13] هذا باتفاق منهم : سواء قدر وجوده أو عدمه ، لا ينتفعون به [ ص: 90 ] لا في دين ولا في دنيا [14] ، ولا علم أحدا شيئا [15] ، ولا يعرف [16] له صفة من صفات الخير ولا الشر ، فلم يحصل به شيء من مقاصد الإمامة ولا مصالحها [17] لا الخاصة ولا العامة ، بل إن قدر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلا ، فإن المؤمنين به لم ينتفعوا به [18] ، ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة ، والمكذبون به يعذبون [ عندهم ] [19] على تكذيبهم به ، فهو شر محض ولا خير فيه ، وخلق مثل هذا ليس من فعل الحكيم العادل .

                  وإذا قالوا : إن الناس بسبب ظلمهم احتجب عنهم .

                  قيل : أولا : كان الظلم موجودا في زمن [20] آبائه ولم يحتجبوا .

                  وقيل : [ ثانيا ] : [21] فالمؤمنون به طبقوا الأرض فهلا اجتمع بهم في بعض الأوقات ، أو أرسل إليهم رسولا يعلمهم شيئا من العلم والدين ؟ ! .

                  وقيل : ثالثا : قد كان يمكنه أن يأوي إلى كثير من المواضع التي فيها شيعته ، كجبال الشام التي كان فيها الرافضة عاصية ، وغير ذلك [22] من المواضع العاصية .

                  وقيل : رابعا : فإذا هو لا يمكنه أن يذكر شيئا من العلم والدين [ ص: 91 ] لأحد ، لأجل هذا الخوف ، لم يكن في وجوده لطف ولا مصلحة ، فكان هذا مناقضا لما أثبتوه . بخلاف من أرسل من الأنبياء وكذب ، فإنه بلغ الرسالة ، وحصل لمن آمن من اللطف والمصلحة ما هو من نعم الله عليه . وهذا المنتظر لم يحصل به لطائفته إلا الانتظار لمن لا يأتي ، ودوام الحسرة والألم ، ومعاداة العالم ، والدعاء الذي لا يستجيبه الله ؛ لأنهم يدعون له بالخروج [ والظهور ] [23] ( * من مدة أكثر من أربعمائة وخمسين سنة لم [24] يحصل شيء من هذا . ثم إن عمر واحد من المسلمين * ) [25] هذه المدة أمر يعرف كذبه بالعادة المطردة في أمة محمد ، فلا يعرف أحد ولد في دين [26] الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة [27] ، فضلا عن هذا العمر . وقد ثبت في الصحيح [28] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في آخر عمره : " أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنه [29] على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها [30] أحد [31] .

                  [ ص: 92 ] فمن كان في ذلك الوقت له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائة سنة قطعا . وإذا كانت الأعمار في ذلك العصر لا تتجاوز هذا الحد ، فما بعده من الأعصار أولى بذلك في العادة الغالبة العامة ، فإن أعمار بني آدم في الغالب كلما تأخر الزمان قصرت ولم تطل ، فإن نوحا [ عليه السلام ] لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وآدم [ عليه السلام ] [32] عاش ألف سنة كما ثبت ذلك في حديث صحيح رواه الترمذي وصححه [33] ، فكان [ ص: 93 ] العمر في ذلك الزمان طويلا ، ثم أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من [34] يجوز ذلك ، كما [ ثبت ] ذلك في [ الحديث ] الصحيح [35] .

                  واحتجاجهم بحياة الخضر احتجاج باطل على باطل ، فمن الذي يسلم لهم بقاء الخضر . والذي عليه سائر العلماء المحققين [36] أنه مات ، وبتقدير بقائه فليس [ هو ] [37] من هذه الأمة [38] .

                  [ ص: 94 ] ولهذا يوجد كثير [ من الكذابين ] [39] من الجن والإنس ممن يدعي أنه الخضر ويظن من رآه أنه الخضر ، وفي ذلك من الحكايات الصحيحة [ التي نعرفها ] [40] ما يطول وصفها [ هنا ] [41] .

                  وكذلك [ المنتظر ] [42] محمد بن الحسن ، فإن عددا كثيرا من الناس يدعي كل واحد منهم أنه محمد بن الحسن ، منهم من يظهر ذلك لطائفة [43] من الناس ، ومنهم من يكتم ذلك ولا يظهره إلا للواحد أو الاثنين . وما من هؤلاء إلا من يظهر كذبه كما يظهر كذب من يدعي أنه الخضر .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية