فصل [1] .
قال الرافضي [2] : " وولده [3] مولانا المهدي [ محمد ] [4] عليه السلام . روى بإسناده إلى ابن الجوزي ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ابن عمر [5] وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض عدلا [6] ، كما ملئت [ ص: 87 ] جورا " [7] فذلك هو المهدي يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي [8] .
فيقال : قد ذكر ، محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع [9] وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ : أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب . والإمامية الذين يزعمون أنه كان له ولد يدعون أنه دخل السرداب بسامرا وهو صغير . منهم من قال : عمره سنتان ، ومنهم من [ ص: 88 ] قال : ثلاث ، ومنهم من قال : خمس سنين [10] وهذا لو كان موجودا معلوما ، لكان الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والإجماع [ ص: 89 ] أن يكون محضونا عند من يحضنه في بدنه ، كأمه ، وأم أمه ، ونحوهما من أهل الحضانة ، وأن يكون ماله عند من يحفظه : إما وصي أبيه إن كان له وصي ، وإما غير [ الوصي ] : [11] إما قريب ، وإما نائب لدى السلطان [12] ، فإنه يتيم لموت أبيه .
والله تعالى يقول : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ) [ سورة النساء : 6 ] ، فهذا لا يجوز تسليم ماله إليه حتى يبلع النكاح ويؤنس منه الرشد ، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه ، فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في بدنه وماله إماما لجميع المسلمين معصوما ، لا يكون أحد مؤمنا إلا بالإيمان به ؟ ! .
ثم إن [13] هذا باتفاق منهم : سواء قدر وجوده أو عدمه ، لا ينتفعون به [ ص: 90 ] لا في دين ولا في دنيا [14] ، ولا علم أحدا شيئا [15] ، ولا يعرف [16] له صفة من صفات الخير ولا الشر ، فلم يحصل به شيء من مقاصد الإمامة ولا مصالحها [17] لا الخاصة ولا العامة ، بل إن قدر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلا ، فإن المؤمنين به لم ينتفعوا به [18] ، ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة ، والمكذبون به يعذبون [ عندهم ] [19] على تكذيبهم به ، فهو شر محض ولا خير فيه ، وخلق مثل هذا ليس من فعل الحكيم العادل .
وإذا قالوا : إن الناس بسبب ظلمهم احتجب عنهم .
قيل : أولا : كان الظلم موجودا في زمن [20] آبائه ولم يحتجبوا .
وقيل : [ ثانيا ] : [21] فالمؤمنون به طبقوا الأرض فهلا اجتمع بهم في بعض الأوقات ، أو أرسل إليهم رسولا يعلمهم شيئا من العلم والدين ؟ ! .
وقيل : ثالثا : قد كان يمكنه أن يأوي إلى كثير من المواضع التي فيها شيعته ، كجبال الشام التي كان فيها الرافضة عاصية ، وغير ذلك [22] من المواضع العاصية .
وقيل : رابعا : فإذا هو لا يمكنه أن يذكر شيئا من العلم والدين [ ص: 91 ] لأحد ، لأجل هذا الخوف ، لم يكن في وجوده لطف ولا مصلحة ، فكان هذا مناقضا لما أثبتوه . بخلاف من أرسل من الأنبياء وكذب ، فإنه بلغ الرسالة ، وحصل لمن آمن من اللطف والمصلحة ما هو من نعم الله عليه . وهذا المنتظر لم يحصل به لطائفته إلا الانتظار لمن لا يأتي ، ودوام الحسرة والألم ، ومعاداة العالم ، والدعاء الذي لا يستجيبه الله ؛ لأنهم يدعون له بالخروج [ والظهور ] [23] ( * من مدة أكثر من أربعمائة وخمسين سنة لم [24] يحصل شيء من هذا . ثم إن واحد من المسلمين * ) عمر [25] هذه المدة أمر يعرف كذبه بالعادة المطردة في أمة محمد ، فلا يعرف أحد ولد في دين [26] الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة [27] ، فضلا عن هذا العمر . وقد ثبت في الصحيح [28] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في آخر عمره : " [29] على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها [30] أحد أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنه [31] .
[ ص: 92 ] فمن كان في ذلك الوقت له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائة سنة قطعا . وإذا كانت الأعمار في ذلك العصر لا تتجاوز هذا الحد ، فما بعده من الأعصار أولى بذلك في العادة الغالبة العامة ، فإن أعمار بني آدم في الغالب كلما تأخر الزمان قصرت ولم تطل ، فإن نوحا [ عليه السلام ] لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وآدم [ عليه السلام ] [32] عاش ألف سنة كما ثبت ذلك في حديث صحيح رواه وصححه الترمذي [33] ، فكان [ ص: 93 ] العمر في ذلك الزمان طويلا ، ثم ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من أعمار هذه الأمة [34] يجوز ذلك ، كما [ ثبت ] ذلك في [ الحديث ] الصحيح [35] .
واحتجاجهم بحياة الخضر احتجاج باطل على باطل ، فمن الذي يسلم لهم بقاء الخضر . والذي عليه سائر العلماء المحققين [36] أنه مات ، وبتقدير بقائه فليس [ هو ] [37] من هذه الأمة [38] .
[ ص: 94 ] ولهذا يوجد كثير [ من الكذابين ] [39] من الجن والإنس ممن يدعي أنه الخضر ويظن من رآه أنه الخضر ، وفي ذلك من الحكايات الصحيحة [ التي نعرفها ] [40] ما يطول وصفها [ هنا ] [41] .
وكذلك [ المنتظر ] [42] محمد بن الحسن ، فإن عددا كثيرا من الناس يدعي كل واحد منهم أنه محمد بن الحسن ، منهم من يظهر ذلك لطائفة [43] من الناس ، ومنهم من يكتم ذلك ولا يظهره إلا للواحد أو الاثنين . وما من هؤلاء إلا من يظهر كذبه كما يظهر كذب من يدعي أنه الخضر .