الثالث : أن قوله : " هؤلاء الأئمة " إن أراد بذلك [1] أنهم كانوا ذوي سلطان وقدرة معهم السيف [2] ، فهذا كذب ظاهر ، وهم لا يدعون ذلك ، [ ص: 105 ] بل يقولون : إنهم عاجزون ممنوعون مغلوبون مع الظالمين ، لم يتمكن أحد منهم من الإمامة ، إلا ، مع أن الأمور استصعبت عليه ، ونصف الأمة - أو أقل أو أكثر - لم يبايعوه ، بل كثير منهم قاتلوه وقاتلهم ، وكثير منهم لم يقاتلوه علي بن أبي طالب [3] ولم يقاتلوا معه ، وفي هؤلاء من هو أفضل من الذين قاتلوه وقاتلوا معه [4] ، وكان فيهم من فضلاء المسلمين من لم يكن مع مثلهم علي [5] ، بل الذين تخلفوا عن القتال معه وله كانوا أفضل ممن قاتله وقاتل معه .
وإن أراد أنه [6] كان لهم علم ودين يستحقون به أن يكونوا أئمة ، فهذه الدعوى إذا صحت لا توجب كونهم أئمة يجب على الناس طاعتهم ، كما أن استحقاق الرجل أن يكون إمام مسجد لا يجعله إماما ، واستحقاقه أن يكون قاضيا [ لا يصيره قاضيا ] [7] ، واستحقاقه أن يكون أمير الحرب لا يجعله أمير الحرب . والصلاة لا تصح إلا خلف من يكون إماما بالفعل ، ولا خلف من ينبغي أن يكون إماما . وكذلك الحكم بين الناس إنما يفصله [8] ذو سلطان وقدرة لا من يستحق أن يولى القضاء ، وكذلك الجند إنما يقاتلون مع أمير عليهم لا مع من لم يؤمر وإن كان يستحق [9] أن يؤمر .
[ ص: 106 ] ففي الجملة الفعل مشروط بالقدرة ، ، وإن كان يستحق فكل من ليس له قدرة وسلطان على الولاية والإمارة لم يكن إماما [10] أن يجعل له قدرة حتى يتمكن ، فكونه يسوغ [11] أن يمكن أو يجب أن يمكن [12] ليس هو نفس التمكن ، والإمام هو المتمكن القادر [ الذي له سلطان ] [13] ، وليس في هؤلاء من هو كذلك إلا علي [ رضي الله عنه ] [14] كما تقدم .