[ ص: 107 ] والثاني : [4] قادرا على إلزام المطيع بالطاعة . أن يكون صاحب يد وسيف ، بحيث يطاع طوعا وكرها لكونه
وقوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [ سورة النساء : 59 ] قد فسر بالأمراء [5] بذوي القدرة كأمراء الحرب ، وفسر بأهل العلم والدين ، وكلاهما حق . وهذان الوصفان كانا كاملين في الخلفاء الراشدين ، فإنهم كانوا كاملين في العلم والعدل والسياسة والسلطان ، وإن كان بعضهم أكمل في ذلك من بعض ، ، فأبو بكر أكمل في ذلك من وعمر عثمان ، وبعدهم لم يكمل أحد في هذه الأمور إلا وعلي ، بل قد يكون [ الرجل ] عمر بن عبد العزيز [6] أكمل في العلم والدين ممن [ يكون ] [7] له سلطان ، وقد يكون أكمل في السلطان ممن هو أعلم منه وأدين .
وهؤلاء إن أريد بكونهم أئمة أنهم ذوو سلطان فذلك باطل [8] ، وهم لا يقولونه . وإن أريد بذلك أنهم أئمة في العلم والدين يطاعون مع عجزهم عن إلزام غيرهم بالطاعة ، فهذا قدر مشترك بين كل من كان متصفا بهذه الصفات .
ثم إما أن يقال : قد كان في أعصارهم من هو أعلم منهم وأدين ، إذ [ ص: 108 ] العلم المنقول عن غيرهم أضعاف العلم المنقول عنهم ، وظهور آثار غيرهم في الأمة أعظم من ظهور آثارهم في الأمة ، والمتقدمون منهم ، وابنه كعلي بن الحسين أبي جعفر ، وابنه قد نقل جعفر بن محمد [9] عنهم من العلم قطعة معروفة ، وأخذ عن غيرهم أكثر من ذلك بكثير كثير ، وأما من بعدهم فالعلم المأخوذ عنهم قليل جدا ، ولا ذكر لأحد منهم في رجال أهل العلم المشاهير بالرواية والحديث والفتيا ، ولا غيرهم من المشاهير بالعلم . وما يذكر لهم من المناقب والمحاسن ، فمثله يوجد لغيرهم من الأئمة [10] .
وإما أن يقال : إنهم أفضل الأمة في العلم والدين . فعلى التقديرين فإمامتهم على هذا الاعتبار لا ينازع فيها أهل السنة ، فإنهم متفقون على أنه يؤتم [11] بكل أحد فيما يأمر به [ من طاعة الله ] [12] ويدعو إليه من دين الله ويفعله مما يحبه الله ، فما فعله هؤلاء من الخير ودعوا إليه من الخير فإنهم أئمة فيه يقتدى بهم في ذلك [13] .
قال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) [ سورة السجدة : 24 ] ، وقد قال تعالى لإبراهيم : ( إني جاعلك للناس إماما ) [ سورة البقرة : 124 ] ، ولم يكن ذلك بأن جعله ذا سيف يقاتل [ ص: 109 ] به جميع الناس ، بل جعله [ بحيث ] [14] يجب على الناس اتباعه ، سواء أطاعوه أم عصوه .
فهؤلاء في الإمامة [15] في الدين أسوة [16] أمثالهم ، فأهل السنة مقرون بإمامة هؤلاء فيما دلت الشريعة على الائتمام بهم فيه ، ( * وعلى الإمامة فيما يمكن الائتمام بهم فيه * ) [17] ، كما أن هذا الحكم ثابت لأمثالهم مثل ، أبي بكر وعمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومعاذ وأمثالهم من السابقين الأولين ، ومثل وأبي الدرداء ، سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله ، ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبد الرحمن ، . وهؤلاء هم وخارجة بن زيد [18] فقهاء المدينة ( * السبعة الذين قيل فيهم :
إذا قيل من في العلم سبعة أبحر مقالة حق [19] ليست عن الحق خارجه فقل هم عبيد الله عروة قاسم
سعيد أبو بكر سليمان خارجه
ومثل علقمة ، والأسود بن يزيد [21] وأسامة [22] ، ومحمد بن سيرين ، ومثل والحسن البصري ، ومثل سالم بن عبد الله بن عمر [ ص: 110 ] هشام بن عروة ، وعبد الرحمن بن القاسم وعبيد الله بن عمر [23] ، والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبي الزناد ، ومثل ، مالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأبي حنيفة ، والشافعي وأحمد وإسحاق بن إبراهيم وغيرهم [24] .
لكن المنقول الثابت عن بعض هؤلاء من الحديث والفتيا قد يكون أكثر من المنقول الثابت عن الآخر ، فتكون شهرته لكثرة علمه أو لقوة حجته أو نحو ذلك ، وإلا فلا يقول أهل السنة : إن يحيى بن سعيد ، ، وهشام بن عروة وأبا الزناد أولى بالاتباع من ، ولا يقولون : إن جعفر بن محمد ، الزهري ، ويحيى بن أبي كثير وحماد بن أبي سليمان [25] أولى بالاتباع من أبيه ومنصور بن المعتمر [26] أبي جعفر الباقر ، ولا يقولون : إن ، القاسم بن محمد ، وعروة بن الزبير أولى بالاتباع من وسالم بن عبد الله ، بل كل [ واحد من ] علي بن الحسين [27] هؤلاء ثقة فيما ينقله ، مصدق في ذلك ، وما بينه من دلالة الكتاب والسنة على أمر من الأمور فهو من العلم الذي يستفاد منه ، فهو مصدق في الرواية والإسناد ، مقبول في الدلالة والإرشاد [28] ، وإذا أفتى بفتيا [ ص: 111 ] وعارضه [ غيره ] [29] رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله كما أمر الله سبحانه بذلك [30] . وهذا حكم الله ورسوله بين هؤلاء جميعهم ، وهكذا كان المسلمون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، و [ عهد الخلفاء الراشدين ] [31] .