الوجه السادس : أنه يقال : إن الذين اختاروا ذكر الخلفاء الراشدين على المنبر يوم الجمعة إنما فعلوه تعويضا عمن يسبهم [1] ويقدح فيهم ، وكان ذلك فيه [2] من الفاسد في الإسلام ما لا يخفى ، فأعلنوا [3] بذكرهم والثناء عليهم والدعاء لهم ؛ ليكون ذلك حفظا للإسلام بإظهار موالاتهم والثناء [ ص: 164 ] عليهم ومنعا [4] ممن يريد عوراتهم والطعن عليهم ، فإنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة " [5] .
والأحاديث في ذكر خلافتهم [6] كثيرة ، فلما كان في بني أمية من يسب عليا - رضي الله عنه - ويذمه [7] ويقول : إنه ليس من الخلفاء [8] الراشدين ، وتولى عمر بن عبد العزيز [ بعد أولئك ] [9] ، فقيل : إنه أول من ذكر الخلفاء [ الراشدين ] [10] الأربعة على المنبر ، فأظهر ذكر [11] علي والثناء عليه وذكر فضائله ، بعد أن كان طائفة ممن يبغض عليا لا تختار ذلك [12] . والخوارج تبغض عليا وعثمان وتكفرهما ، فكان في ذكرهما مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - رد على الخوارج الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم .
[ ص: 165 ] والرافضة [ شر ] [13] من هؤلاء وهؤلاء ، يبغضون أبا بكر وعمر وعثمان ويسبونهم ، بل قد يكفرونهم ، فكان في ذكر هؤلاء وفضائلهم رد على الرافضة ، ولما قاموا في دولة خدابندة الذي صنف له هذا الرافضي هذا الكتاب [14] ، فأرادوا إظهار مذهب الرافضة وإطفاء مذهب أهل السنة ، وعقدوا ألوية الفتنة ، وأطلقوا عنان البدعة ، وأظهروا من الشر والفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد ، كان مما احتالوا به أن استفتوا بعض المنتسبين إلى السنة في ذكر الخلفاء في الخطبة : هل يجب ؟ فأفتى من أفتى بأنه لا يجب : إما جهلا بمقصودهم ، وإما خوفا منهم وتقية لهم [15] .
وهؤلاء إنما كان مقصودهم منع ذكر الخلفاء ، ثم عوضوا عن ذلك بذكر علي والإحدى عشر الذين يزعمون أنهم المعصومون [16] ، فالمفتي إذا علم أن مقصود المستفتى له [17] أن يترك ذكر الخلفاء وأن يذكر [18] الاثنى عشر ، وينادي بحي [19] على خير العمل ليبطل الأذان المنقول بالتواتر من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ويمنع قراءة [20] الأحاديث الثابتة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعوض عنها بالأحاديث التي افتراها [ ص: 166 ] المفترون ، ويبطل الشرائع المعلومة من دين الإسلام ، ويعوض عنها بالبدع [21] المضلة ، ويتوسل بذلك من يتوسل [22] إلى إظهار دين الملاحدة ، الذين يبطنون مذهب الفلاسفة ، ويتظاهرون بدين الإسلام ، وهم أكفر من اليهود والنصارى ، إلى غير ذلك من مقاصد أهل الجهل والظلم ، الكائدين [23] للإسلام وأهله - لم يحل للمفتي أن يفتي بما [24] يجر إلى هذه المفاسد .
وإذا كان ذكر الخلفاء الراشدين هو الذي يحصل [ به ] المقاصد [25] المأمور بها عند مثل هذه الأحوال ، كان هذا مما يؤمر به في مثل هذه الأحوال ، وإن لم يكن من الواجبات التي تجب مطلقا ، ولا من السنن التي يحافظ عليها في [26] كل زمان ومكان ، كما أن عسكر المسلمين والكفار إذا كان لهؤلاء شعار ولهؤلاء شعار وجب إظهار شعار الإسلام دون شعار الكفر في مثل تلك الحال ؛ لأن هذا واجب [27] في كل زمان ومكان ، فإذا قدر أن الواجبات الشرعية لا تقوم إلا بإظهار ذكر الخلفاء ، وإنه إذا ترك ذلك ظهر شعار أهل البدع والضلال ، صار مأمورا به في مثل هذه الأحوال . والأمور [ ص: 167 ] المأمور بها منها ما هو واجب أو مسنون دائما ، كالصلوات الخمس ، والوتر ، وركعتي الفجر . ومنها ما يؤمر به في بعض الأحوال إذا لم تحصل الواجبات إلا به ، ولم تندفع المحرمات إلا به .


