[ ص: 359 ] وأما قوله : " كيف أطاعها على ذلك عشرات ألوف من المسلمين [1] وساعدوها 
[2] على حرب أمير المؤمنين ، ولم ينصر أحد منهم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما طلبت حقها من  أبي بكر   - رضي الله عنه - ولا شخص واحد [ كلمه ] 
[3] بكلمة واحدة " . 
فيقال : أولا : هذا من أعظم الحجج عليك ; فإنه لا يشك عاقل أن القوم كانوا يحبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعظمونه ويعظمون قبيلته وبنته أعظم مما يعظمون  أبا بكر   وعمر  ، ولو لم يكن هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فكيف إذا كان [ هو ] 
[4] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أحب إليهم من أنفسهم وأهليهم ؟ ولا 
[5] يستريب عاقل أن العرب - قريشا  وغير قريش  
[6]  - كانت تدين لبني عبد مناف  وتعظمهم أعظم مما يعظمون بني تيم  وعدي  
[7] ، ولهذا لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتولى  أبو بكر  ، قيل لأبي قحافة   : مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : حدث عظيم ، فمن ولي 
[8] بعده ؟ قالوا :  أبو بكر   . 
 [ ص: 360 ] قال : أو رضيت بنو عبد مناف  
[9] وبنو مخزوم  ؟ قالوا : نعم . قال : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، أو كما قال . 
ولهذا جاء  أبو سفيان  إلى  علي  فقال : أرضيتم أن يكون هذا الأمر في بني تيم  ؟ فقال : يا  أبا سفيان  إن أمر الإسلام ليس كأمر الجاهلية ، أو كما قال . 
فإذا كان المسلمون كلهم ليس فيهم من قال : إن  فاطمة   - رضي الله عنها - مظلومة  ، ولا أن لها حقا عند  أبي بكر   وعمر   - رضي الله عنهما - ولا أنهما ظلماها ، ولا تكلم أحد في هذا بكلمة واحدة - دل ذلك على أن 
[10] القوم كانوا يعلمون أنها ليست مظلومة ، إذ لو علموا 
[11] أنها مظلومة لكان تركهم لنصرتها : إما عجزا عن نصرتها ، وإما إهمالا وإضاعة لحقها ، وإما بغضا فيها ، إذ الفعل الذي يقدر عليه الإنسان إذا أراده إرادة جازمة فعله لا محالة ، فإذا لم يرده - مع قيام المقتضى لإرادته - فإما أن يكون جاهلا به ، أو له معارض يمنعه من إرادته ، فلو كانت مظلومة مع شرفها وشرف قبيلتها وأقاربها ، وأن أباها أفضل الخلق وأحبهم إلى أمته ، وهم يعلمون 
[12] أنها مظلومة - لكانوا إما عاجزين عن نصرتهما 
[13] ، وإما أن يكون لهم معارض عارض إرادة النصر من بغضها 
[14] ، وكلا الأمرين باطل ; فإن  [ ص: 361 ] القوم ما كانوا كلهم عاجزين أن يتكلم واحد منهم بكلمة حق ، وهم كانوا أقدر 
[15] على تغيير ما هو أعظم من هذا . 
 وأبو بكر  لم يكن ممتنعا من سماع كلام أحد منهم ، ولا هو معروفا بالظلم والجبروت . واتفاق هؤلاء كلهم ، مع توفر 
[16] دواعيهم على بغض  فاطمة  ، مع قيام الأسباب الموجبة لمحبتها ، مما يعلم بالضرورة امتناعه . وكذلك  علي   - رضي الله عنه - لا سيما وجمهور قريش  والأنصار  والمسلمين لم يكن [17]  لعلي  إلى أحد منهم إساءة ، لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، ولا قتل أحدا من أقاربهم ، فإن الذين قتلهم  علي  
[18] لم يكونوا من أكبر القبائل ، وما من أحد من الصحابة إلا وقد قتل 
[19] أيضا . 
وكان  عمر   - رضي الله عنه - أشد على الكفار وأكثر عداوة لهم من  علي  ، فكلامهم فيه وعداوتهم له 
[20] معروفة ، ومع هذا تولى عليهم ، فما مات 
[21] إلا وكلهم يثني عليه خيرا ، ويدعو له ، ويتوجع لمصاب المسلمين به . 
وهذا وغيره مما يبين أن الأمر على نقيض ما تقوله الرافضة  من أكاذيبهم ، وأن القوم كانوا يعلمون أن  فاطمة  لم تكن مظلومة أصلا ، فكيف ينتصر القوم  لعثمان  حتى سفكوا دماءهم ، ولا ينتصرون لمن هو  [ ص: 362 ] أحب إليهم من  عثمان  ، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته ؟ ! وكيف يقاتلون مع  معاوية  
[22] حتى سفكت دماؤهم معه ، وقد اختلف عليه بنو عبد مناف  ، ولا يقاتلون مع  علي  وبنو عبد مناف  معه ؟ فالعباس بن عبد المطلب  أكبر بني هاشم  ،  وأبو سفيان بن حرب  أكبر بني أمية  ، وكلاهما كانا يميلان إلى  علي  ، فلم لا قاتل الناس معه إذ ذاك ، والأمر في أوله ؟ والقتال 
[23] إذ ذاك لو كان حقا كان مع  علي  أولى 
[24] ، وولاية  علي  أسهل ; فإنه لو عرض نفر قليل فقالوا : الأمر  لعلي  ، وهو الخليفة والوصي ، ونحن لا نبايع إلا له ، ولا نعصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نظلم وصيه وأهل بيته ، ولا نقدم الظالمين أو المنافقين من آل تيم  على بني هاشم  ، الذين هم خيرنا في الجاهلية والإسلام - لكان القائل لهذا يستجيب له جمهور الناس ، بل يستجيبون له إلا القليل ، لا سيما  وأبو بكر  ليس عنده رغبة ولا رهبة . 
وهب أن  عمر  وطائفة معه كانوا يشذون معه 
[25] ، فليس هؤلاء أكثر ولا أعز من الذين كانوا مع  معاوية   - رضي الله عنه - ومع  طلحة   والزبير   - رضي الله عنهما - ومع هذا فقد قاتلهم أعوان  علي  ، مع كونهم دون السابقين الأولين في العلم والدين ، وفيهم قليل من السابقين [ الأولين ] 
[26] ، فهلا  [ ص: 363 ] قاتلهم من هو أفضل من هؤلاء ؟ إذ كان إذ ذاك [  علي   ] على الحق 
[27] ، وعدوه على الباطل ، مع أن وليه إذ ذاك أكثر وأعز وأعظم علما وإيمانا ، وعدوه إذ ذاك - إن كان عدوا - أذل وأعجز وأضعف علما وإيمانا وأقل عدوانا ، فإنه لو كان الحق كما تقوله الرافضة  لكان  أبو بكر   وعمر  والسابقون الأولون من شرار أهل الأرض وأعظمهم جهلا وظلما ، حيث عمدوا عقب موت نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فبدلوا وغيروا وظلموا الوصي ، وفعلوا بنبوة محمد   - صلى الله عليه وسلم - ما لم تفعله اليهود والنصارى عقب موت موسى  والمسيح  
[28]  - عليهما الصلاة والسلام - ; فإن اليهود والنصارى لم يفعلوا عقب موت أنبيائهم ما تقوله الرافضة  إن هؤلاء فعلوه عقب موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى قولهم تكون هذه الأمة شر أمة أخرجت للناس ، ويكون سابقوها شرارها . 
وكل هذا مما يعلم بالاضطرار فساده من دين الإسلام ، وهو مما يبين أن الذي ابتدع مذهب الرافضة  كان زنديقا ملحدا عدوا لدين الإسلام  
[29] وأهله ، ولم يكن من أهل البدع المتأولين كالخوارج  والقدرية  ، وإن كان قول الرافضة  راج بعد ذلك على قوم فيهم إيمان لفرط جهلهم . 
ومما يبين ذلك أن يقال : أي داع كان للقوم في أن ينصروا  عائشة بنت أبي بكر  ويقاتلوا معها  عليا  كما ذكروا 
[30] ، ولا ينصرون  فاطمة بنت رسول  [ ص: 364 ] الله   - صلى الله عليه وسلم - ويقاتلون معها ومع زوجها الوصي  أبا بكر   وعمر  ؟ فإن كان [ القوم ] 
[31] الذين فعلوا هذا يحبون الرياسة ويكرهون إمارة  علي  عليهم ، كان 
[32] حبهم للرياسة يدعوهم إلى قتال  أبي بكر  بطريق الأولى ; فإن 
[33] رياسة بيت 
[34]  علي  أحب إليهم من رياسة بيت [35]  أبي بكر   . 
ولهذا قال  صفوان بن أمية  يوم حنين  لما ولوا مدبرين ، وقال بعض الطلقاء : لا ينتهي فلهم دون البحر ، وقال الآخر : بطل السحر ، فقال صفوان   : والله لأن يربني رجل من قريش  أحب إلي من أن يربني رجل من ثقيف  
[36]  . وصفوان  
[37] رأس الطلقاء - كان أن يربه 
[38] رجل من بني عبد مناف  أحب إليه من أن يربه رجل من بني تيم  ، فحب الرياسة إذا كان هو الداعي كان يدعوهم إلى تقديم بني هاشم  على بني تيم  باتفاق العقلاء ، ولو لم يقدموا  عليا  لقدموا  العباس   ; فإن  العباس  كان أقرب إلى موافقتهم 
[39] على المطالب الدنيوية من  أبي بكر  ، فإن كانوا قد أقدموا 
[40] على ظلم  [ ص: 365 ] الوصي الهاشمي لئلا يحملهم على الحق الذي يكرهونه ، كان تقديم 
[41] من يحصل مطالبهم مع الرياسة الهاشمية - وهو  العباس   - أولى وأحرى من  أبي بكر  ، الذي لا يعينهم على مطالبهم كإعانة  العباس  ، ويحملهم على الحق المر أكثر ما يحملهم عليه  علي  ، فلو كره من  علي  حق مر لكان ذلك من 
[42]  أبي بكر  أكره ، ولو أريد من  أبي بكر  دنيا حلوة لكان طلبها عند  العباس   وعلي  أقرب ، فعدولهم عن  علي  وعن  العباس  وغيرهما إلى  أبي بكر  دليل على أن القوم وضعوا الحق في نصابه ، [ وأقروه في إهابه ] 
[43] ، وأتوا الأمر الأرشد من بابه 
[44] ، وأنهم علموا أن الله ورسوله كانا يرضيان تقديم  أبي بكر   - رضي الله عنه - . 
وهذا أمر كان معلوما لهم علما ظاهرا بينا لما رأوه وسمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة صحبتهم له ، فعلموا من تفضيل النبي - صلى الله عليه وسلم -  لأبي بكر   بطول المشاهدة والتجربة 
[45] والسماع ما أوجب تقديمه وطاعته . ولهذا قال  عمر   - رضي الله عنه - : " ليس فيكم 
[46] من تقطع إليه 
[47] الأعناق مثل  أبي بكر   " 
[48] أراد أن فضيلته على غيره ظاهرة مكشوفة لا تحتاج إلى بحث ونظر . 
 [ ص: 366 ] ولهذا قال له بمحضر من المهاجرين  والأنصار   : " أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " 
[49] ، وهم يقرونه على ذلك ، ولا ينازعه منهم أحد ، حتى إن المنازعين في الخلافة من الأنصار  لم ينازعوا في هذا ، ولا قال أحد : بل  علي  أو غيره أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو خير منه أو أفضل 
[50]  . 
ومن المعلوم أنه يمتنع في العادة ، لا سيما عادة الصحابة المتضمنة كمال دينهم وقولهم بالحق 
[51] ، ألا يتكلم أحد منهم بالحق المتضمن تفضيل  علي  ، بل كلهم موافقون 
[52] على تفضيل  أبي بكر  من غير رغبة فيه [53] ولا رهبة 
[54]  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					