وأما الآخرون [1] فإنهم أثبتوا ، فإن كانوا ينفون الصانع بالكلية ، فقد قالوا بحدوث الحوادث حدوث العالم [2] بلا محدث ، وإن كانوا يقولون بالصانع ، فقد أثبتوا إحداثه لهذا النظام بلا سبب حادث إن قالوا [3] : إن الرب لم يكن يحركها قبل انتظامها ، وإن قالوا : إنه كان يحركها قبل انتظامها ، ثم إنه ألفها ، فهؤلاء قائلون بإثبات الصانع وحدوث هذا العالم ، وقولهم خير من قول القائلين بقدم هذا العالم .
ثم إن قولهم يحتمل شيئين : أحدهما : إثبات شيء من العالم قديم بعينه ، فيكون قولهم بعض قول القائلين [ بقدم هذا العالم ، وهو من جنس قول القائلين بالقدماء الخمسة من حيث أثبتوا قديما معينا غير الأفلاك ] [4] ، وهو من جنس قول أهل الأفلاك [5] حيث أثبتوا حوادث لم تزل ، ولا تزال إن كانوا يقولون بأن تلك المواد لم تزل متحركة ، وإن قالوا : بل كانت ساكنة ، ثم تحركت ، فقولهم من جنس قول أهل القدماء الخمسة ، فما دل على فساد قول هؤلاء وهؤلاء يدل على فساد قولهم ، [ ص: 212 ] وما ذكرنا من التقسيم يأتي على كل قول ، وإن كان كل قول باطل له دلائل خاصة تدل على فساده .