الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  وأما حديث الكساء فهو صحيح رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة [1] ، ورواه مسلم في صحيحه [2] من حديث عائشة . قالت : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة وعليه مرط مرحل [3] من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله [4] ، ثم جاء الحسين فأدخله معه [5] ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب : 33 ] .

                  وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم ، [ ص: 14 ] فليس هو من خصائصه . ومعلوم أن المرأة لا تصلح للإمامة  فعلم أن هذه الفضيلة لا تختص بالأئمة ؛ بل يشركهم فيها غيرهم . ثم إن مضمون هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لهم بأن يذهب عنهم [6] الرجس ويطهرهم تطهيرا . وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم ؛ واجتناب الرجس واجب على المؤمنين ، والطهارة مأمور بها كل مؤمن .

                  قال الله تعالى : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم [ سورة المائدة : 6 ] . وقال : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [ سورة التوبة : 103 ] .

                  وقال تعالى : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين [ سورة البقرة : 122 ] .

                  فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور .

                  والصديق رضي الله عنه قد أخبر الله عنه بأنه : الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى [ سورة الليل 17 - 21 ] .

                  وأيضا فإن السابقين [7] الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [ سورة التوبة : 100 ] لا بد أن يكونوا قد فعلوا المأمور وتركوا المحظور ، فإن هذا الرضوان وهذا [ ص: 15 ] الجزاء إنما ينال بذلك . وحينئذ فيكون ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من الذنوب بعض صفاتهم . فما دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكساء هو بعض ما وصف به السابقين الأولين . والنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لغير أهل الكساء بأن يصلي الله عليهم ودعا لأقوام كثيرين [8] بالجنة والمغفرة وغير ذلك مما هو أعظم من الدعاء بذلك ولم يلزم أن يكون من دعا له بذلك أفضل من السابقين الأولين .

                  ولكن أهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفعل التطهير ، دعا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يعينهم على فعل ما أمرهم به ، لئلا يكونوا مستحقين للذم والعقاب ، ولينالوا المدح والثواب .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية