الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 18 ] الفصل الرابع [1]

                  قال الرافضي [2] : وعن محمد بن كعب القرظي قال : افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب [ وعلي بن أبي طالب ] [3] . فقال : طلحة بن شيبة : معي مفاتيح البيت ، ولو أشاء بت فيه . وقال العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، ولو أشاء بت في المسجد ، وقال علي [4] : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد . فأنزل الله تعالى : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين [ سورة التوبة : 19 ] .

                  والجواب أن يقال : هذا اللفظ لا يعرف في شيء من [5] كتب الحديث المعتمدة ، ( * بل دلالات [6] الكذب عليه ظاهرة ، منها : أن طلحة بن شيبة لا وجود له ، وإنما خادم الكعبة هو شيبة بن عثمان بن أبي [ ص: 19 ] طلحة [7] . وهذا مما يبين لك أن الحديث لا يصح . ثم فيه قول العباس : لو أشاء بت [8] في المسجد فأي كبير أمر في مبيته في المسجد حتى يتبجح به ؟ .

                  ثم فيه قول علي : صليت ستة أشهر قبل الناس . فهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة ; فإن بين إسلامه وإسلام [9] زيد وأبي بكر وخديجة يوما أو نحوه ، فكيف يصلي قبل الناس بستة أشهر ؟ .

                  وأيضا فلا يقول : أنا صاحب الجهاد ، وقد شاركه فيه عدد كثير جدا * ) [10] .

                  وأما الحديث فيقال : الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه [11] ولفظه : عن النعمان بن بشير قال : كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام [12] إلا أن أعمر [ ص: 20 ] المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم [13] عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . فأنزل الله عز وجل : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله [ سورة التوبة : 19 ] الآية إلى آخرها .

                  وهذا الحديث ليس [14] من خصائص الأئمة ، ولا من خصائص علي ، فإن الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله كثيرون ، والمهاجرون والأنصار يشتركون في هذا الوصف ، وأبو بكر وعمر أعظمهم [15] إيمانا وجهادا ، لا سيما وقد قال : الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله [ سورة الأنفال : 72 ] . ولا ريب أن جهاد أبي بكر بماله ونفسه أعظم من جهاد علي وغيره .

                  كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : إن أمن [16] الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر [17] .

                  [ ص: 21 ] وقال : ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر [18] . وأبو بكر كان مجاهدا بلسانه ويده ، وهو أول من دعا إلى الله [19] وأول من أوذي في الله بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأول من دافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مشاركا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - [20] في هجرته وجهاده حتى كان هو وحده معه في العريش يوم بدر ، وحتى أن أبا سفيان يوم أحد لم يسأل إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر ، لما قال : أفيكم محمد ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه . فقال : أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه . فقال : أفيكم ابن الخطاب ؟ [21] فقال : النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه . فقال : أما هؤلاء فقد كفيتموهم . فلم يملك عمر نفسه ، فقال : كذبت عدو الله ، [22] إن الذين [23] عددت لأحياء ، [24] وقد أبقى الله لك [ ص: 22 ] ما يخزيك [25] . ذكره البخاري وغيره [26] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية