[ ص: 18 ] الفصل الرابع [1]
قال الرافضي [2] : وعن قال : افتخر محمد بن كعب القرظي طلحة بن شيبة من بني عبد الدار [ وعباس بن عبد المطلب ] وعلي بن أبي طالب [3] . فقال : طلحة بن شيبة : معي مفاتيح البيت ، ولو أشاء بت فيه . وقال : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، ولو أشاء بت في المسجد ، وقال العباس علي [4] : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد . فأنزل الله تعالى : لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله [ سورة التوبة : 19 ] .
والجواب أن يقال : هذا اللفظ لا يعرف في شيء من [5] كتب الحديث المعتمدة ، ( * بل دلالات [6] الكذب عليه ظاهرة ، منها : أن طلحة بن شيبة لا وجود له ، وإنما خادم الكعبة هو شيبة بن عثمان بن أبي [ ص: 19 ] طلحة [7] . وهذا مما يبين لك أن الحديث لا يصح . ثم فيه قول : لو أشاء بت العباس [8] في المسجد فأي كبير أمر في مبيته في المسجد حتى يتبجح به ؟ .
ثم فيه قول : صليت ستة أشهر قبل الناس . فهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة ; فإن بين إسلامه وإسلام علي [9] زيد وأبي بكر يوما أو نحوه ، فكيف يصلي قبل الناس بستة أشهر ؟ . وخديجة
وأيضا فلا يقول : أنا صاحب الجهاد ، وقد شاركه فيه عدد كثير جدا * ) [10] .
وأما الحديث فيقال : الحديث الذي رواه في صحيحه مسلم [11] ولفظه : عن قال : النعمان بن بشير [12] إلا أن أعمر [ ص: 20 ] المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم [13] وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . فأنزل الله عز وجل : عمر أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله [ سورة التوبة : 19 ] الآية إلى آخرها . كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام
وهذا الحديث ليس [14] من خصائص الأئمة ، ولا من خصائص ، فإن الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله كثيرون ، والمهاجرون والأنصار يشتركون في هذا الوصف ، علي وأبو بكر أعظمهم وعمر [15] إيمانا وجهادا ، لا سيما وقد قال : الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله [ سورة الأنفال : 72 ] . ولا ريب أن جهاد بماله ونفسه أعظم من جهاد أبي بكر وغيره . علي
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : [16] الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر إن أمن [17] .
[ ص: 21 ] أبي بكر وقال : ما نفعني مال ما نفعني مال [18] . كان مجاهدا بلسانه ويده ، وهو أول من دعا إلى الله وأبو بكر [19] وأول من أوذي في الله بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأول من دافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مشاركا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - [20] في هجرته وجهاده حتى كان هو وحده معه في العريش يوم بدر ، يوم أبا سفيان أحد لم يسأل إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، لما قال : أفيكم وعمر محمد ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه . فقال : أفيكم ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه . فقال : أفيكم ابن أبي قحافة ابن الخطاب ؟ [21] فقال : النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه . فقال : أما هؤلاء فقد كفيتموهم . فلم يملك نفسه ، فقال : كذبت عدو الله ، عمر [22] إن الذين [23] عددت لأحياء ، [24] وقد أبقى الله لك [ ص: 22 ] ما يخزيك وحتى أن [25] . ذكره وغيره البخاري [26] .